نسيتُ أن أقول لكِ

29 سبتمبر 2018
(تاسوس ليفاذيتيس)
+ الخط -

عودة من الصيدلية
لقد حصل من غير أن أفهم قطّ كيف - كانت الأمّ تشعر بصداع،
أذكر، وبعثوني إلى الصيدلية،
في طريق العودة، والحقّ يُقال، سهوت قليلاً، ضحكت على عجوز،
أرعبتُ عصفورين بحجر
وريثما انعطفتُ إلى الشارع من جديد
لا بيت، ولا عمر الشباب.


■ ■ ■


إلى امرأة
هل تذكرين الليالي؟ كي أجعلك تبتسمين كنتُ أمشي على
زجاج اللمبة.
"كيف يمكن هذا؟" كنتِ تسألين. كان هذا غايةً في السهولة
لأنّك كنت تحبّينني.


■ ■ ■


الرحلة
(إلى لولا، التي لن تقرأه)
كان يعيش ساعته الأخيرة. في المحطّة، ليلاً، كان ينتظر القطار، الذي كان سيرتمي أمامه لينتهي. فجأةً، صعد على السكّة يمشي مدفوعاً بنزعة قديمة منسيّة، كعهد مضى، كان فيه صبيّاً أبديّاً. عندها، بدهشة، رأى ابنة عمّه الميتة تمشي على السكّة الأخرى، مادّةً إليه يدها، ليُمسكا بعضهما، أكثر ثباتاً، فوق الحلم.
مشيا وقتاً، مبتسمَين الواحد للآخر، وعندما مرّ القطار أعمى، بأزيزه، تابع الولدان مشيهما فوق السكّة شابكَين يديهما،
بينما كانت جثّةُ رجل منطرحةً ناحية.


■ ■ ■


الموسيقيّ
غالباً في الليل، بلا أن أدري، كنتُ أصل إلى مدينة أخرى، لم يكن هناك سوى شيخ واحد، كان يحلم يوماً بأن يصير موسيقيّاً، والآن كان يجلس نصف عارٍ في المطر - بمعطف كان قد غطّى على ركبتيه كمنجةً قديمة وخياليّة، "هل تسمعها؟" يقول لي، "نعم، أقول، دائما كنت أسمعها"،
لكن في آخر الشارع كان التمثال يحكي للطيور السفرَ الحقيقيّ.


■ ■ ■


أنشودة
قرأنا عن حادثة غريبة مؤخّراً في الجرائد-
ذهب رجل إلى أحد تلك "البيوت"، أخذ امرأة،
وما إن دخلا الغرفة، بدل أن يتعرّى ويكرّر
الحركة الأبديّة،
ركع أمامها، قالوا، وراح يسألها أن تتركه
يبكي على رجليها. أمّا هي فراحت تصيح،
"هنا يجيئون لأمور أخرى"، والآخرون في الخارج
انهالوا دقّاً على الباب. وبعد مشقّة
فتحوا الباب وأخرجوه بالركلات - تسمع عن هذا الانحراف أن يرغب، أن يبكي أمام امرأة.
هو انعطف عند الزاوية واختفى وكلّه خجل. ما عاد
رآه أحد قطّ.

وحدها تلك المرأة، ستأتي الساعة المحتّمة،
ذات ليلة، حينما ستشعر فجأةً بالذعر،
لأنّها حرمت نفسها من أعمق، وأعظم
فعل عشق
إذْ لم تدع رجلاً يبكي على قدميها.


■ ■ ■


أنتظركِ في كلّ مكان
وإن تأتِ يوماً لحظة فراقنا، يا حبيبتي،
لا تفقدي شجاعتك.
أعظم فضيلة أن يكون للإنسان قلب قويّ.
والفضيلة الأعظم، هي حينما يضطرّ
أن يُنحّي قلبه.
حبّنا غداً سيقرأه التلاميذ في كتبهم المدرسيّة،
إلى جانب أسماء النجوم وواجبات الرفاق.

سأذكر دوماً قبلاتك التي كانت تغرّد كالعصافير،
سأذكر عينيك، متّقدتَين وكبيرتَين،
كليلتَي عشق في الحرب الأهليّة.

لو وهبوني الأبديّة كلّها بدونك
لفضّلت لحظة قصيرة جنبك.
سأذكرُ دوماً أنّك كنت تعانقينني وتلقينني على فمك الناعم
وكان هوانا يهدر كأشرعة مركب كبير.
آه! نعم، نسيت أن أقول لكِ، إنّ السنابل ذهبيّة ولا متناهية، لأنّني أحبّك.

لا تفقدي شجاعتك. لقد كنّا دوماً نعرف
أنّ في الجدران الأربعة ليس يسع حلمنا الكبير.
لأنّ وطننا نحن هو كلّ الطرقات التي على جوانبها
يرقد
قتلى نضالنا.

سكِّري البيت.
أعطي المفتاح لإحدى الجارات
وتقدّمي.
هناك حيث العائلات تقسم الخبز إلى ثمانية،
هناك حيث يتدحرج ظلّ من قنصَتهم الرشّاشات
في أيّ صقع، أيّ ساعة،
هناك حيث يقاتل ويموت الناس من أجل
عالم جديد.
هناك- سأنتظرك.


* Tásos Leivadítis شاعر يوناني، وُلِد في أثينا عام 1922 ورحل فيها عام 1988

** الترجمة عن اليونانية روني بو سابا

 

المساهمون