داخل حدود مدينة نابلس، تربى الفتى أحمد غزال بين إخوته وأهله وأصدقائه، لا يعرف الشيء الكثير عن السفر، ولم يجربه سوى مرة واحدة كانت في شهر رمضان الماضي، عندما ذهب إلى مدينة القدس، وصلى في المسجد الأقصى.
عرف الطريق جيدا إلى القدس وحفظها، واستعد للعودة وحده دون علم أهله هذه المرة. فمنذ التاسعة من صباح أمس السبت، وأحمد بعيد عن بيته، كان يصلي في المسجد الأقصى ويودع المكان المقدس وداعه الأخير.
يقول واصف غزال، عمّ الشهيد أحمد لـ"العربي الجديد": "كانت عائلته تعتقد أنه في عمله، لكن بعد سماعها عن تنفيذ عملية طعن في مدينة القدس، تفاجأت من أحاديث الجيران ووسائل التواصل الاجتماعي بأن الشهيد من مدينة نابلس ومن عائلة غزال، لتعلم بعد ذلك عن طريق وسائل الإعلام أن الشهيد هو ابنها أحمد".
وتابع عمّه "عمل أحمد منذ أربع سنوات في مركز فني أسنان، تدرب وواظب على عمله فيه، واجتهد دوما لتقديم المساعدة لعائلته، وإثبات جدارته وكسب ثقة أهله، كونه أصبح شابا يمكن الاعتماد عليه"، مشيرا إلى أنه كان مواظبا على صلاته حاضرا في المسجد.
ونفذ أحمد البالغ من العمر 17 عاماً، عملية طعن في باب الواد داخل البلدة القديمة بمدينة القدس المحتلة، وأصاب خلالها مستوطنين اثنين بجراح، في حين قال شهود عيان إن أحمد ركض بعد أن طعن المستوطنين إلى أحد الأبنية في المنطقة، وعندما لحقه عناصر شرطة الاحتلال هاجمهم أيضا، إلا أنه قضى شهيدا برصاص جنود الاحتلال الكثيف.
قبل أن ينفذ أحمد عملية الطعن، نشر صورا له عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، في باحات المسجد الأقصى، كما تظهر قبة الصخرة المشرفة خلفه، وكتب عليها "يسعد أوقاتكم". نشر قبلها بأيام صورة الشهيدة سهام نمر التي قتلها الاحتلال عند باب العمود بالقدس، وكتب عليها "الله يرحمها".
يقول عمّه واصف غزال: "لم نلحظ أي تغير على أحمد في أيامه الأخيرة، كان طبيعيا جدا، لعب مع إخوته وأصحابه في مركز الإنترنت القريب من منزله بحي راس العين في نابلس، وكان يحضر مع أمه لعرس خاله الذي كان مرتقبا هذا الأسبوع، وقرر شراء بدلة رسمية كي يرتديها يوم العرس ويشارك خاله فرحته، لكن شيئا ما حدث وقلب الأمور كلها وغيرها".
لم تتلق عائلة الشهيد أي اتصال أو تأكيد لخبر استشهاده، ولم تعرف أي تفاصيل عن الموضوع. لكن فجر اليوم الأحد، اقتحمت قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي يرافقها عناصر من مخابرات الاحتلال منزل عائلة الشهيد، وأبلغوا والد الشهيد بخبر الاستشهاد، بعد التأكد من اسمه ورقم هويته، ثم طرحوا الأسئلة عن الشهيد وأصحابه وفي أي مسجد يصلي، وعن القنوات التلفزيونية التي يتابعها.
وطلب والد الشهيد أن يرى جثمان ابنه لكي يتأكد من استشهاده، إلا أن الاحتلال رفض، وأبلغه بأن الارتباط العسكري الإسرائيلي سيبلغه القرار بعد يومين أو ثلاثة، بحسب عم الشهيد.
الشهيد أحمد الذي يتوسط إخوته الستة، كان محبوبا لدى أبناء حيه وأهله في رأس العين، محبا لأمه وأبيه. اعتاد العودة إلى بيته بعد انتهاء عمله يوميا، إلا أنه لم يرجع أمس إلى منزله في الوقت المعتاد، فقد كان على موعد مع الشهادة في مدينة القدس التي أحبها وعشقها.