مطربة تجاوزت النماذج وتخطت الحدود

01 ديسمبر 2014
وليد توفيق حضر تشييع الراحلة صباح (حسن بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -
أغاني صباح المصريّة الكثيرة لا توحي لأحد بأنها لبنانية، كما أنّ أغانيها اللبنانية لم تكن بعيدة عن بيئتها الشعبية. لم تكن مطربة وحسب، إذ إنّها تجاوزت السائد وسمحت لنفسها أن تكون الوحيدة التي تمثل شخصيتها الحقيقية. لم يكن التمثيل رافداً أساسياً لحضورها، إذ إنّ الحاجة إلى صوتها هي التي أخذتها إلى التمثيل.

ربما ثمّة عامل أسبق على اللهجة والجغرافيا، ظل يقف إلى جانب الشحرورة، ألا وهو شخصيتها الفريدة. فقد وافقت صورة صباح الفنّية محطات حياتها المتحولة والمتجددة والمديدة. جاءت هذه الموافقة من دون تمهيد. لم يكن الحب في حياتها حجّة ولا جسراً بقدر ما عيشاً وقرباً ومودة.

هي الوحيدة ربّما من بين أقرانها من استطاعت أن تحقق بسلوكها ما لم يحققه كثر من دعاة النسوية والدفاع عن حقوق المرأة في بلادنا المسحوقة بالعنف والعصبيات، ذلك أن في المنحى الذي اختارته صباح لنفسها ما يتجاوز النموذج المفروض. انتشلت العواطف الحميمة من بؤس الشكوى التي تحجرت في رومانسيات كثيرة متشابهة ومملة، ونشرتها كي تتمازج مع الهواء، ولم تحول قوتها إلى حجاب يفصلها عن جمهورها. جمعت الشحرورة رحابة الريف إلى مضايقات المدينة حيث يتحول التنافس إلى شراسة والإعلام إلى أجهزة حزبية لا تولي الفن الأهمية إن لم تحوله إلى جزء من هيمنتها.

مع ذلك، لم تجد للاختلاف والتنازع محلاً إلى قلبها. كانت براءة الشحرورة وتواضعها واعترافها أقوى من أن يناله التلف، وأخفّ من أن تثقل بـ"ثقافة" حوّلها آخرون إلى شعارات حاجبة. كان صوتها المكان الذي اتقدت فيه عاطفتها حتى غمر محيطها، ولم يكن لمرور الوقت من عبء عليها، إذ كانت هي التي تصنعه، لا العكس. الخفة والعفوية ظهرتا في حال أقوى من الجدية التي غالب ثقلها فنانين آخرين. ما كان للخمول طريق إلى قلبها، هي التي شاءته حراً وصادقاً، وبلا ميزان.

هذا يوم صباح الأخير في بيروت، وفي طريق عودتها إلى "الضيعة" تحلق روح الشحرورة راقصة، جامعة الاسم إلى معناه، الطير إلى الشجر، والنور الرهيف إلى الغناء الدائم.

اقرأ أيضاً..
وداع راقص!
صباح المصريّة: عاشت...عملت...تزوّجت وغنّت في القاهرة  
فنانون مصريون: صباح "حبيبة مصر" علمتنا الالتزام والتواضع 
دلالات
المساهمون