مصر: مساع حثيثة لاستعادة دور "هوليود الشرق"

20 سبتمبر 2015
السياحة في مصر تنمّي صناعة السينما ( فرانس برس)
+ الخط -
تربعت مصر على عرش السينما العربية للعام 2014 من حيث حجم الإنتاج السينمائي حيث قدّمت 60 فيلماً، أغلبها تجارية والبعض الآخر عُرض في مهرجانات دولية. هذا الزخم يعد بمثابة علامة على عودة الروح مُجددًا لصناعة السينما بعد تراجعها الشديد منذ ثورة 2011، بسبب صعوبات الإنتاج والتمويل. 
وتكشف إحصائيات العام المنصرم تسجيل السينما أرقاماً قياسية، إذ حقق فيلم "الجزيرة 2" أكبر إيرادات في تاريخ السينما المصرية بقيمة تجاوزت 5.57 ملايين دولار، كما أن هناك فيلمين آخرين هما "الفيل الأزرق" و"الحرب العالمية الثالثة" قد تخطت إيراداتهما 4.2 ملايين دولار، وهي أكبر حصيلة إيرادات الأعمال السينمائية منذ 5 سنوات.
وتفسيراً لهذا الأداء الاستثنائي لصناعة السينما المصرية التي لقُبت على مدار أكثر من 120 عاماً بـ "هوليود الشرق"، عللت تحليلات فنية هذا التطور بتغير وجهة نظر شركات الإنتاج من تقديم الأفلام الشعوبية التي تُشبع مزاج الجماهير إلى إنتاج عدد من الأعمال الفنية التي تُناقش بعمق الموضوعات الإنسانية.

صناعة غير مستقرة

إلا أنه على جانب آخر، فإن أرقام الإيرادات الجديدة على السينما المصرية ليس شرطًا أن تكون قابلة للاستمرار، نظراً لانعكاس التقلبات السياسية على حجم ميزانيات الإنتاج وكذلك تقلُب مزاج الجماهير. الأمر الذي يجعل صناعة الإنتاج السينمائي تعيش في أجواء غير مستقرة، خاصة أن متوسط إنفاق المصريين على الثقافة والترفيه من إجمالي الدخل مازال ضئيلًا يدور حول 2% بناءً على البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء خلال عام 2014.
وبنظرة بسيطة على بيانات الإيرادات المُعلنة من جانب غرفة صناعة السينما، نجد أن العائدات السنوية وصلت في العام 2010 إلى 230 مليون جنيه، انخفضت إلى 185 مليون جنيه بعد عامين، حتى هوت إلى 106 ملايين في 2013، قبل أن تعاود الارتفاع في العام 2014 لتسجل الإيرادات السينمائية 196 مليون جنيه.
يقول نائب رئيس غرفة صناعة السينما باتحاد الصناعات المصرية شريف مندور إن الحالة السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد أثرت على الإنتاج الفني، وجعلته عرضة للتقلب المُستمر.
إلا أنه وبالرغم من الحالة السياسية، نلاحظ ارتفاع الإيرادات هذا العام، إذ إنه في الأشهر الأولى من العام 2015 تخطت إيرادات السينما حاجز 100 مليون جنيه. ووصلت إيرادات موسم أفلام عيد الفطر 52 مليون جنيه.

ويشير مندور إلى أن الأعمال السينمائية التي تناقش قضايا حقيقية أو تطرح أفكارًا مُبتكرة تغطي كلفتها نظرًا لأن شركة الإنتاج تحصل على 65% من عائدات دور العرض إلى جانب مبلغ شراء الفيلم، وهو في الأغلب لن يتجاوز مليون دولار للأفلام الجيدة.
هذه المُعادلة بين طرح مُنتجات سينمائية جيدة تُساهم في تنمية وعي وثقافة المواطنين، وخلق موازنة مالية بين الكلفة والأرباح، أدت إلى ظهور أصوات تُطالب بدعم الدولة للأعمال السينمائية الجادة.
"فبدون هذا الدعم المالي لن تتمكن السينما من مواصلة تقديم أعمال تُناقش قضايا تُشكل صُلب المجتمع أو تحث على الابتكار والإبداع" بحسب مندور، الذي يؤكد أن هناك أمثلة تدُل على أهمية الدعم الحكومي لنجاح الأفلام مثل عمل "فتاة المصنع" الذي ناقش الصعوبات التي تتعرض لها الفتاة في العمل، وكذلك فيلم "لمؤاخذة" الذي يناقش الفارق بين نمط التعليم الخاص والحكومي.

تطور الآليات

شهدت صناعة السينما العربية ظهور آليات جديدة لدعم الابتكار السينمائي، وكان آخرها تدشين صندوق "سند" الإماراتي لتمويل الإنتاج السينمائي للأعمال العربية خلال مرحلة التطوير بحد أقصى 20 ألف دولار، وهي مرحلة تشمل تقييم السيناريو، وكذلك خلال تمويل مرحلة ما بعد الإنتاج بحد أقصى 60 ألف دولار وهي التي تبدأ بتقديم المخرج نسخة المونتاج الأولي للفيلم.
وبحسب مندور، فإن أبرز المخاطر التي تواجه الإنتاج السينمائي المحلي هي قرصنة الأفلام السينمائية التي تقوم بها بعض القنوات التي تُبث على أقمار صناعية خارجية بمجرد نزول الفيلم بدور العرض.
وفي حين أن أول إنتاج سينمائي لفيلم روائي طويل في مصر عام 1917 كان منسوبًا لشركة إنتاج إيطالية مصرية، إلا أن الصورة بدأت تتغير بغياب الإنتاج الأجنبي عن البلاد.
ويُفسر مندور هذا الغياب بعاملين أساسيين، الأول هو أن العائد على الأفلام ضعيف مقارنة بكلفة الإنتاج، ما يفقد الشركات ميزة الدوران السريع لرأس المال. أما العامل الثاني فيتمثل في صعوبة تحويل العملة الصعبة خارج البلاد حاليًا بسبب نقص الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.
هذا التفسير لا يشترط أن يكون صائبًا لأن غرفة صناعة السينما تحظر تجاوز توزيع الفيلم الأجنبي الواحد عن 11 نسخة في حين أن عدد دور العرض في مصر يتجاوز 300 دار، ويرجع هذا القرار إلى الخوف من سحب الأفلام الأجنبية البساط من نظيرتها المحلية.
ويلقى هذا القرار استياء الجمهور إذ يرى محمد عوض – مُحاسب – أن الأعمال الأجنبية تُقدم أفكارا جديدة باستمرار بإخراج مُبتكر وإنتاج ضخم، ما يجعل المُشاهدين يتهافتون عليها.
ومع ذلك لم تخل الساحة المصرية من مشاركة الأعمال العربية، فيقول الناقد الفني محمود علي إن الساحة شهدت اشتراك ممثلين مصريين في فيلم "من ألف إلى باء" الإماراتي والذي عُرض بمهرجان القاهرة السينمائي، في إشارة إلى أن مصر مازالت جاذبة للأعمال السينمائية العربية.

اقرأ أيضاً:الاستثمارات السياحية في مصر: هل من أمل؟
المساهمون