مصر تكشف عن تسلم وديعة بملياري دولار من السعودية

13 أكتوبر 2016
البنك المركزي لم يفصح بعد عن الوديعة السعودية (Getty)
+ الخط -
كشفت مصر، أمس الخميس، عن حصولها على وديعة بملياري دولار من السعودية، في سبتمبر/أيلول الماضي، ما خفف من مخاوف المراقبين بشأن تعطل مساعدات المملكة للقاهرة على إثر الأزمة السياسية الحالية، في وقت تحتاج الأخيرة لدعم احتياطي النقد الأجنبي تعاطياً مع شروط صندوق النقد الدولي. 
وكانت وسائل إعلام مختلفة قد نقلت عن مسؤولين في البنك المركزي، أول من أمس، أن مصر تسلمت وديعة بملياري دولار من المملكة، ما أثار ارتباكاً لدى مراقبي الشأنين المصري والسعودي، إذ تأتي مساعدات كهذه وسط توترات سياسية بين البلدين، لكن التوقيت الذي وصلت فيه الوديعة (سبتمبر/أيلول) يكشف الغموض الحاصل، وهو أنها دخلت مصر قبل الأزمة التي تصاعدت حدتها الأسبوع الجاري فقط.
وتفجّرت الخلافات المكتومة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والسعودية، والتي نشرت "العربي الجديد" تفاصيل عديدة عنها، علناً لأول مرة، السبت الماضي، بعد تصويت مصر لمصلحة مشروعي قرارين متناقضين بشأن الأحداث الدامية في مدينة حلب السورية؛ أحدهما تبنته فرنسا وإسبانيا، وحظي بقبول السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا، والثاني تبنته روسيا، وعارضته جميع الدول المذكورة.
وعلقت السعودية إمداداتها البترولية المتعاقد عليها لمصر لشهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وعزت مصادر سعودية ذلك القرار إلى توجيهات سياسية عليا، مما اضطر مصر إلى التباحث مع دول أخرى، كالكويت والإمارات والجزائر، لتوفير احتياجاتها البترولية.
ولم تفصح مصر أو السعودية قبل أمس، عن وصول هذه الوديعة للبنك المركزي المصري، ما يثير تساؤلات حول سبب هذا الغموض.
وقال مراقبون ومتعاملون بسوق الصرف المصري، إن عدم الشفافية والضبابية حول حجم الدعم الخليجي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، تسبب في حالة إرباك لسوق الصرف، الذي لم يعد يتعاطى مع الأنباء التي تعزز الثقة في العملة المحلية. وعلى الرغم من إعلان الحكومة عن تسلم الوديعة السعودية، ظل تداول الدولار الأميركي في مصر عند مستويات قياسية أمس.
وقال عضو شعبة الصرافة بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، محمد رضوان، لـ "العربي الجديد"، إن الوديعة السعودية ومن قبلها إعلان زيادة احتياطي النقد الأجنبي إلى 19.5 مليار دولار، لم يفلحا في كبح جماح العملات الصعبة في السوق السوداء، وما زال سعر الدولار يتداول عند 15.60 و15.70 جنيها.
وأشار إلى أن حالة الغموض التي يعيشها سوق الصرف والعاملين به تسببت في انتشار التفسيرات والتأويلات التي لا يمكن نفيها ولا تأكيدها في الوقت نفسه.
وأضاف، أن إعلان الحكومة عن تخفيض قيمة الجنيه رسميا، تسبب في ارتفاعات كبيرة وصلت بالفارق بين السعرين الرسمي والموازي للعملة المحلية إلى سبعة جنيهات للدولار الواحد، لافتاً إلى أن الإجراء الوحيد الذي من شأنه أن يكسر حدة الارتفاعات بالسوق السوداء هو الإعلان عن عطاء استثنائي بقيمة ملياري دولار على الأقل، لتلبية الطلبات العالقة خاصة للأدوية ومستلزمات الإنتاج والسلع الغذائية.
وقال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، لـ "العربي الجديد": "إعلان مصر عن الحصول على ملياري دولار من السعودية في هذه التوقيت يثير أكثر من علامة استفهام"، مشيرا إلى أن ثمة احتمالات حول أن هذه الوديعة لم تصل فعليا.


ويعتقد عبدالمطلب، أن الحكومة ربما، تسعى من وراء الإعلان عن تسلم الوديعة السعودية، إلى تهدئة السوق السوداء للصرف.
وتأتي الوديعة السعودية لمصر، في وقت تسعى المملكة لتسويق أول سندات من المقرر أن تطرحها في الأسواق الدولية، خلال الفترة المقبلة، بهدف اقتراض 10 مليارات دولار.
وأعلن البنك المركزي المصري في وقت سابق من هذا الشهر، عن ارتفاع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 19.582 مليار دولار في نهاية سبتمبر/أيلول من 16.564 مليار دولار في نهاية أغسطس/آب.
وكانت مصر قد تلقت مليار دولار من البنك الدولي في سبتمبر/أيلول، وهو ما يمثل الشريحة الأولى من قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
وقدمت السعودية ودول خليجية أخرى مليارات الدولارات لمصر بعد الانقلاب العسكري على الرئيس الأسبق محمد مرسي، في يوليو/تموز 2013.
وعلى خلفية تصاعد التوتر في العلاقات المصرية السعودية، تراجعت المملكة العربية السعودية عن قرار تأجيل برنامجها لطرح سندات دولية، من أجل إفساح المجال للقاهرة لطرح سنداتها من دون منافس أو مزاحم في الأسواق العالمية.

وقررت المملكة تعيين ثلاثة مصارف عالمية هي: "سيتي جروب"، و"اتش اس بي سي"، و"جي بي مورغان"، لإدارة وترتيب أول طرح للسندات الدولية المقومة بالدولار الأميركي، لتمويل العجز في ميزانيتها خلال العام الحالي، والذي يقدر بنحو 87 مليار دولار.
وكانت الحكومة المصرية، قد استقرت على طرح سندات مصرية بقيمة ثلاثة مليارات دولار على شريحتين متساويتين خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، للمساهمة في سد الفجوة التمويلية، وطرح ملياري دولار أخريين قبل نهاية العام الحالي.
وكان من المقرر طرح السندات المصرية بداية سبتمبر/أيلول الماضي، إلا أنه تم تأجيلها لأسباب تتعلق بظروف الأسواق الدولية وطرح سندات من دول أخرى، بحسب مسؤولين مصريين.
وقال محللون اقتصاديون لـ "العربي الجديد"، إن المستثمرين الدوليين سيفضلون السندات السعودية حتى لو كان العائد (الفائدة) عليها أقل، وتوقعوا أن يؤثر طرح السندات السعودية سلباً على السندات المصرية في الأسواق الدولية، وهو ما قد يدفع مصر إلى تأجيل طرح سنداتها مرة أخري، أو يقلل من فرص حصولها على القروض الخارجية، والوفاء بشروط الحصول على قرض صندوق النقد الدولي.
وأوضح المحلل المالي المصري، أحمد إبراهيم، أن المستثمرين في الأسواق الدولية لا يتخذون قراراتهم بناء على من يطرح أولا، وإنما بتقييم السندات بناء على العائد المتوقع ونسب المخاطرة وجدارة الدولة في السداد".
وقال لـ "العربي الجديد": "هناك من سيفضل السندات السعودية حتى لو كان العائد (الفائدة) عليها أقل، في ظل المخاطرة المحيطة بالسندات المصرية، ولا سيما أن التقارير التي تناولتها مؤخراً مؤسسات اقتصادية وإعلامية غربية منها "ذا إيكونوميست" و"بلومبرغ" حول الوضع الاقتصادي لمصر أثارت قلقاً متزايداً حول قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها وإدارة الملف الاقتصادي".
لكن أستاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة القاهرة، هشام إبراهيم، قال: " كل بضاعة لها مشترٍ"، لافتاً إلى أن مصر تطرح سنداتها بعائد ضخم جدا يصل إلى 6% لجذب المستثمرين الدوليين.
وأشار في تصريح لـ "العربي الجديد" إلى أن إقبال السعودية على طرح سندات دولية، يخضع في المقام الأول للمصالح وليس لاتفاقيات مسبقة، قائلا: "كل واحد بيدور على مصالحه".
واستبعد إبراهيم أن تلجأ مصر إلى تأجيل طرح سندات في الأسواق الدولية، على خلفية القرار السعودي الخاص ببرنامج سنداتها الدولية، المقرر طرحه الشهر الجاري، قائلا إنه لا يوجد تعارض بين الجانبين.
وتستهدف مصر طرح السندات بأسعار فائدة تتراوح بين 5.5 و6% وبآجال من خمس سنوات إلى عشر سنوات، وهي نسبة فائدة عالية، الا أنها تتناسب مع زيادة المخاطر السياسية بالبلاد حسب محللين دوليين.

المساهمون