مسابقات رمضان: سعي محموم خلف الربح

مسابقات رمضان: سعي محموم خلف الربح

24 يونيو 2015
مقدم البرامج التونسي سامي الفهري (العربي الجديد)
+ الخط -
"للمشاركة في البرنامج أرسل رسالة قصيرة على الرقم التالي". هي واحدة من الجمل الكثيرة التي تتكرّر مراراً خلال الأيام الأخيرة على قنوات تلفزيونية مختلفة في تونس، معلنةً اقتراب انطلاق برنامج آخر من مسابقات الاتصالات والربح خلال الشهر الكريم: "فإذا كنت تريد أن تتحوّل أحلامك إلى واقع وتفوز بمئات الملايين، ما عليك إلا أن تضغط زرّ هاتفك المحمول". هذا ما تعلنه لافتة في أحد الشوارع. وهكذا انطلقت قصّص آلاف التونسيين مع برامج المسابقات الرمضانية. وبهذه الطريقة اكتسبت هذه البرامج ودّ المشاهد التونسي.

برامج المسابقات ليست ظاهرة جديدة أو مستحدثة، لا في تونس ولا في غيرها من الدول العربية، كما أنّها لا تقتصر على التلفزيون التونسي. فقد ذهبت مختلف التلفزيونات التونسية، والعربية عموماً، إلى تقديم العديد من هذه الأعمال على شاشاتها منذ سنوات، بل منذ عقود. كما أنّ جدول البثّ في العديد من الفضائيات يكاد لا يخلو من بعض المسابقات والألعاب، وخصوصاً في شهر رمضان. لكن ما بات يميّزها بشكل خاصّ هو ارتفاع الجدل التونسي حولها، لاعتبارات كثيرة، أبرزها دينية واجتماعية، وقانونية أيضاً. هذا إضافة إلى تواصل ارتفاع قيمة جوائزها، ما زاد من نسب الإقبال الشعبي عليها.

نسخ عن الغرب
في تونس، تعتبر أغلب برامج المسابقات الناجحة نسخاَ مقلدة من برامج أميركية أو أوروبية. وهو ما يعتبره بعض النقّاد عجزاً عن ابتكار أفكار مميّزة قادرة على النجاح ومستلهمة من الواقع التونسي والعربي. ومن أبرز برامج المسابقات ذات الصيت الواسع في تونس، برنامج "آخر قرار"، الذي بثّ بين عامي 2003 و2005 على القناة الوطنية الأولى (كانت تعرف بـ"قناة تونس 7" في تلك الفترة). كان يقدّمه حينها الإعلامي والمنتج سامي الفهري.

إقرأ أيضاً: رمضان تونس العتيقة بعد الثورة: الشباب لم يدفن الماضي!

لكنّ برنامج "دليلك ملك" يبقى أكثر البرامج انتشاراً وشعبية. وهو كان أكثر البرامج مشاهدة في رمضان الماضي، بحسب شركة الإحصاء "سيغما كونساي". وهذا ساهم في عودته بنسخة جديدة هذه السنة أيضاً، وطيلة أيام الشهر الكريم، مع تضاعف قيمة جائزته المالية.

"دليلك ملك" هو النسخة التونسية من البرنامج العالمي "Deal or No Deal". عرض بين عامي 2005 و2007 على القناة الوطنية الأولى. ثم عاد العام الماضي إلى قناة "التونسية" (اسمها قناة "الحوار التونسي" حالياً). وتقدّر قيمة الجائزة المقدمة إلى المشاركين خلال شهر رمضان 2015 بمليون دينار تونسي، يتقاسمها الفائز في الاستوديو مع مشارك عبر الرسائل القصيرة.

ومع بداية الشهر الكريم وانطلاق المسابقات التلفزيونية تتصاعد الأصوات المستنكرة لها والتي تعتبرها ضرباً من ضروب المقامرة والابتزاز، لأنّها تعتمد على التوقعات والتخمينات. ويذهب بعض رجال الدين حتّى إلى تحريمها لأنّها في تقديرهم "من ألعاب الميسر" (القمار)، الذي حرّمه الله في كتابه الكريم.

إشكاليات دينية
في هذا الإطار يعلّق رئيس "النقابة الوطنية للإطارات الدينية" (الكوادر الدينية) في تونس، فاضل عاشور، بالقول إنّه "من الناحية الشرعية فإنّ المسابقات الربحية خالية من الربا والتبذير. وهي نشاطات ترفيهية في إطار المباح". ويستدرك عاشور في حديث إلى "العربي الجديد"، أنّ "الإشكال في هذه البرامج يكون أساساً عندما يدمن عليها الشباب ويدمن بذلك على الكسب من دون تعب أو جهد. وهذا مخالف للنواميس الطبيعية ويؤثّر في قيمة العمل" .

فضلا عن الجانب الديني، ينتقد جزء من الشارع التونسي برامج المسابقات التلفزيونية كونها "برامج استهلاكية تستنزف المال والوقت وتساهم في نشر قيم سلبية في المجتمع مثل التواكل (الاتكّال على الغير) والإسراف والسعي خلف الربح السريع".

في القانون
طرحت برامج المسابقات خلال رمضان الماضي، وتحديداً برنامج "دليلك ملك"، إشكالاً قانونياً. إذ اعتبرها بعضهم مخالفة للقانون. وطالب الخبير الجبائي لسعد الذوادي بتطبيق المرسوم عدد 20 لسنة 1974 الذي يمنع، بحسب تفسيره "برامج اليانصيب والألعاب المشابهة التي من شأنها نهب الناس والإثراء من دون سبب".

إقرأ أيضاً: خارطة البرامج التلفزيونية في رمضان

واعتبر الذوادي أنّ برامج المسابقات المسموح بها يجب "أن تكون بالضرورة مجانية وإلا فهي ممنوعة بمقتضى القانون عدد 62 لسنة 2002 المتعلق بالألعاب الترويجية". 

لكنّ برامج المسابقات المتداولة في القنوات التلفزيونية التونسية منذ سنوات هي في الأساس برامج ربحية تمكّن من كسب المال بواسطة الرسائل القصيرة. ويتمّ تقاسم العائدات بين القناة التلفزيونية ومنتج البرنامج وشركة الاتصالات أيضاً. وهو ما يفسّر تنافس هذه الشركات على التعاون بشكل حصري مع برامج المسابقات. كما تعوّل قنوات تلفزيونية على هذه البرامج للاستفادة المادية، لما تدرّه من عائدات عالية من خلال خدمة الرسائل القصيرة أو عن طريق الفقرات الإشهارية (الإعلانية) التي تبثّ خلالها في مقابل ماليّ ضخم عادة.

قصص الفائزين
يطوّر بعض القائمين على برامج المسابقات أساليب جذب جديدة للمشاهدين، سواء من خلال تعريفهم بالجوائز المقدّمة وقيمتها الكبيرة، أو من خلال عرض تقارير مصوّرة عن قصص الفائزين في حلقات سابقة، وعن حجم التغيير الاجتماعي والمالي الذي طرأ على حيواتهم، كما تستعين بعض القنوات بالمشاهير في مجالات مختلفة للترويج للبرنامج أو لتقديمه.


على سبيل المثال، في تونس مؤخّرا أعلنت قناة "التاسعة" أنّها ستعرض خلال رمضان 2015 برنامج "شيش بيش"، وهو برنامج ألعاب وصفه القائمون على القناة بأنّه "ضخم". وستعتمد في تقديمه على أحد أهمّ مشاهير عالم التمثيل في تونس، وهو الفنان لطفي العبدلي. و"شيش بيش" برنامج يقوم على التحدي، يتنافس خلال حلقاته ثلاثة متسابقين للفوز بمبلغ مليون دينار تونسي.

ضرب قيمة العمل
يقول الباحث في علم الاجتماع، الهادي العلوي، إنّ هذه المسابقات "تمسّ بقيمة العمل في مجتمع جزء كبير منه لا يعمل ولا يحبّ العمل ولا يقبل عليه". ويضيف في حديث لـ "العربي الجديد": "هذه البرامج تشجّع على التواكل وتبتزّ الناس من خلال تحفيز غريزة حبّ الامتلاك وحبّ المال. ثم يعيش المشاركون فيها داخل وهم وخيال عادة ما تكون نتائجه سلبية".

المساهمون