مأتمٌ شرق دمشق وعرسٌ في ريف حلب

13 يونيو 2016
+ الخط -
عودةً إلى الوراء قليلاً، لنتذكّر معاً بدايات العمل المسلح الذي فرضه النهج العسكري لنظام الأسد مع المنتفضين السوريين إبان ثورة مارس/ آذار عام 2011، والتي تشكّلت معه كتائب مسلحة بأعداد قليلة وأسلحة فردية، ما لبث أن انضوت تلك الكتائب ضمن تشكيلاتٍ عسكرية أكثر تنظيماً وأكبر عدداً لتوحيد الجهود ورص الصفوف، لعلّ أشهرها لواء الإسلام وكتائب أحرار الشام.
كان بعض قادة تلك الفصائل يخرجون على الشاشات، وفي مقاطع مصوّرة، ليطالبوا حكام العرب بدعم الثورة السورية بالسلاح، لأن معركة اليوم هي معركة الأمة، وسورية تخوض هذه المعركة نيابة عن العرب بعد أن بانت أهداف إيران، وأطماعها الاستعمارية، ومخططاتها التدميرية المذهبية والدينية في المنطقة.
لم يكن السوريون حينها يتخيلون في أسوأ حالات هذا المشهد قتامةً وسوداويةُ، أن هذا السلاح الذي عانوا الأمرّين حتى حصلوا على شيءٍ يسيرٍ منه، من الدول الإقليمية الداعمة ذات الأجندات أو من المعارك التي خاضها الثوار مع النظام في كثيرٍ من المناطق، ولاسيما في الغوطة الشرقية التي تعتبر من أوائل المدن السورية المحرّرة من قيد النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية.. لم يكن حينها يتخيلون أن هذا السلاح، سيكون يوماً ما أداةً لسفك دماء بعضهم البعض، وفتيلاً لأزمة خلافاتٍ بين الفصائل، ربما تحرق الحلم الذي راود السوريين ليل نهار، بإسقاط تلك الطغمة التي جثمت فوق صدورهم، وإقامة دولةٍ مدنية ديمقراطية يتساوى فيها أبناء الوطن الواحد في الحقوق والحريات.
لن نخوض في التطورات الدراماتيكية التي طرأت على الثورة السورية، ودخول تنظيمات متطرّفة، ولاسيما داعش، إلى واجهة الأحداث، وتصدّرها أي خبر عاجل أو عابر عن الثورة في أي نشرة أخبار على اختلاف وسائل الإعلام العربي والغربي، فالمقام لا يتسع لهذا الحديث على أهميته، إلا أن المقدمة السابقة، والدعوة إلى تذكّر الماضي لازمة لإيضاح هذا التحول الرهيب والمريب الذي طرأ على عقيدة قادة بعض فصائل المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية من الحشد والحثٍ والاستنفار لمواجهة النظام إلى خطابٍ جديدٍ يدعون من خلاله، وبمصطلحاتٍ غريبة عن مسمع السوريين، إلى نفي الخبث، وصد الغزاة الجدد، وتطهيرِ الغوطة، ذات المعقِل العسكري الأهم لفصائل الثوار، من كونها بوابة الدخول إلى عقر النظام الحصين دمشق.
الآن، أدخل هؤلاء القادة جيوشهم في صراع داخلي بين الأخ وأخيه، وأراقوا دماء بعضهم بعضاً، فكانت الفرصة سانحة للنظام الذي تمكن منهم، واحتلّ مدناً وقرىً جديدة في القطاع الجنوبي، ما كان ليحلم بها لولا الاقتتال المسلح بين أبناء الغوطة بفعل قادتهم، فضلاً عن خسارة أهم مخزون غذائي وزراعي للغوطة، يمتد على مساحة ستة وثلاثين ألف فدان مزروعاً بالخضار والقمح.
تكمن خطورة الأمر في أن ميليشيات النظام الآن بدأت التسلل إلى القطاع الأوسط في الغوطة، بعد سيطرتها على القطاع الجنوبي، حيث وصلت إلى بلدة المحمدية وحشدت عديدين من مرتزقتها، استعدادًا لاقتحام جسرين وسقبا وكفربطنا على ما يقول ناشطون ومحللون عسكريون، وبذلك يكون النظام قد سيطر على أكثر من ثمانين بالمئة من مساحة الغوطة الشرقية التي كابد أبنائها أيّما مكابدة لتحريرها من براثن النظام وجنوده المرتزقة.
على صعيدٍ آخر، ينشط جيش الفتح، إضافةً إلى فصائل أخرى في الشمال السوري، خلال معارك حلب وريفها، ويسيطر أبناء الشمال على مساحاتٍ واسعة استطاعوا تحريرها من قبضة الميليشيات الإيرانية التي أُنهِكت واستنزفت، وخسرت العديد من جنودها وضباطها على تلك الجبهة. لذلك، نرى أن انتصاراتٍ الشمال يرافقها أفراح واستبشارٌ بتحرير مساحاتٍ أخرى، بينما تجد نكساتٍ شرق دمشق، يرافقها أحزانٌ وترحٌ وابتئاس لما آل إليه الوضع العسكري.
ED428CB2-AF6C-432E-9317-87EBA42187BA
ED428CB2-AF6C-432E-9317-87EBA42187BA
لؤي عبد الهادي (سورية)
لؤي عبد الهادي (سورية)