ليس كل الورد ورداً

ليس كل الورد ورداً

13 ابريل 2015
الست صيصة نموذج جنوح النساء الدائم للثورة والتمرد (Getty)
+ الخط -
كُتب الكثير عن الست صيصة، خاصة بعدما كرمها السيسي، ومن بعده توالت حالات التكريم ‏مرة من "المجلس القومي للمرأة" ومرات من الإعلام. الكل يتبع ما يقوله الرئيس، مع الحرب أو ضدها، مع نثر الورود او القتل العمد لحاملة الورود ‏شيماء الصباغ، مع الدفاع عن نساء السلطة ومثقفيها، أو الهجوم الحاد والتشوية للنساء اللواتي ‏يعارضن السلطة.

نعود مرة أخرى للست صيصة أبو دوح، وهي لمن لا يعرفها امرأة مكافحة من جنوب مصر ‏وتحديداً من محافظة الأقصر. مات زوجها فاضطرت للعمل وشق معترك الحياة لوحدها ‏منتحلة صفة رجل، وما زالت منذ اربعين عاماً وحتى الآن تشقى وتتعب من أجل حماية أسرتها ‏وإعالتها.

صيصة عملت في القطاع غير الرسمي، من الحقول إلى أعمال البناء والتشييد إلى مسح ‏الاحذية، تبكي الست صيصة في البرنامج التلفزيوني لتُبكي معها ملايين. وهي التي لم نكن ‏نعرف عنها شيئاً، متخفية في زي الرجال حتى لا تنهشها الأعين...

ولعل نموذج الست صيصة، يعبر عن جنوح النساء الدائم للثورة والتمرد والالتحاق بكافة ‏التحركات الاحتجاجية، وقيادتها في كثير من الأحيان. ‏كما تشير هذه الحالة أيضاً إلى مفهوم متخلف يربط فرص العمل بمسألة النوع الاجتماعي.

‏ومن جانب آخر تحاول السلطة استخدام هذه النماذج النضالية للنساء، ليكن مجرد وردة في ‏صالونات أصحاب السلطة الذين خلفوا ملايين من هذا النموذج البائس الذي انتهك حقه في ‏الحياة الكريمة، نتاج ما طبق من سياسات اقتصادية مجحفة.

وفي ذات السياق، تحاول السلطة تقديم هذا النموذج بوصفه النموذج المكافح وهذا حقيقي، لكن ‏في أحد جوانبه يدعونا إلى التسليم لبؤس الظروف وتحمل المشاق، من دون التنبه إلى أن هذا ‏النموذج من الناس له حقوق طال غيابها، وأن هناك من نهبوا الثروات وخلفوا وراءهم شعباً ‏فقيراً وبائساً. هنا تقف السلطة ومؤسساتها تحمل الورود لتتجمل وتكذب. وهي ذاتها السلطة ‏التي تشرد العمال رجالاً ونساء، وهي التي اطلقت الخرطوش على شيماء الصباغ وحبست سناء ‏سيف وغيرها من زهرات مصر ومناضلاتها خلف الأسوار. وهي أيضاً السلطة التى اطلقت ‏عبر آلياتها البوليسية الخرطوش لفض إضراب عاملات طنطا.

العاملات المحتجات ونساء الثورة لسن ضمن الحفلات التكريمية التي تعدها السلطة ‏ومؤسساتها، لأن من تريد تغيير البنى الاقتصادية إلى حالة أفضل، ومن تريد حقوقها في العمل ‏الكريم والأجر المناسب لن تكون إلا في موضع المواجهة مع السلطة.

إن حل مشكلات النساء في العمل يحتاج إلى جهد وطني وسلطات تنتمي إلى ‏الشعب، ويحتاج أيضاً الى رؤى واضحة تعمل على تنفيذ تصور اقتصادي يستوعب ‏العاطلات من العمل، ويوفر مظلة حماية اجتماعية وتأمينية وتشريعات حمائية للعاملات بأجر في القطاع الرسمي ‏وغير الرسمي.

من هنا، لا بد من توجيه التحية لصيصة ومريم وعاملات طنطا والمحلة الكبرى، وورود ‏مصر وتونس من هن خلف القضبان ومن يكافحن من اجل حقوقهن، فهؤلاء لن يتحولن الى ‏وردة على بدلة الحاكم، بل هن شعلة تنير الطريق وتحرق ناهبي ثروات الشعب.‏
(باحث في الانثربولوجيا الاجتماعية)

إقرأ أيضا: اليمن النازح: ارتفاع مستويات الجوع يزيد هول الكارثة

المساهمون