لوبيات الأدب العربي و"الذائقة المفروضة"

لوبيات الأدب العربي و"الذائقة المفروضة"

05 نوفمبر 2015
نخاف التصريح بآرائنا خشية الخسارة (Getty)
+ الخط -
أي سخف أكثر من أن يتحول الأدب إلى "فرض" على الذائقة؟ أي مهزلة أكثر من أن تصبح الأسماء جوهر النقد لا "النص"؟ أي انحطاط أكثر من أن تتحول الثقافة إلى سوق؟

لو ألقينا نظرة سريعة عبر الصحف والصفحات الفيسبوكية لأصابنا رعب حقيقي، المسألة ليست غيابا للنقد وتفرغا شبه كامل للمديح والتطبيل، عوضا عن محاولة قراءة جادة للأعمال الثقافية وتتبع دلالاتها المعرفية والفكرية، وليس تكررا لأسماء دون أخرى، وليس تحول بعض الصحف إلى داعمة لأسماء معينة.


الأمر تعدى ذلك ليتحول إلى "ذائقة مفروضة"، كلما حاولت كقارئ أن تصرح برأيك تجندت لك الأقلام والصفحات وطعنتك في ذائقتك وثقافتك وحتى أخلاقك أو سمعتك.

منذ أيام.. صديقة أبدت رأيها في رواية قرأتها، فكتبت عبر صفحتها أن العمل دون مستوى الأعمال السابقة، وأنها تفاجأت بمستوى الرواية، بعد دقائق صور "البوست" من قبل كاتب وعنونه بشتيمة تطعن في ذائقة القارئ وبل وتعدتها إلى المساس بكيانها كإنسانة لديها الحق في القراءة وإبداء الرأي ضمن الحدود المسموحة لإبداء الرأي.

المشكلة لدى هؤلاء الكتاب المجندين للشتم والإرهاب الثقافي واغتصاب حريات الآخرين لا تكمن فيهم فقط، المشكلة أنهم يجندون آخرين (توابع لهم)، نحن العرب ننساق بسرعة رهيبة وراء الأفكار الجاهزة، ننساق وراء الأسماء البراقة، نجهض حريتنا في التفكير ونلبس أفكار الآخرين وبالتالي نقتل حرياتنا في محاولة ممارسة إبداء الرأي والتصريح به.

الأمر يتكرر يوميا، لا بل لحظياً، أحيانا تساعد على هذا وسائل الاتصال السريعة وتقنيتها العالية التي تمنح الحق لـ(صديق) ما بأن يخترق خصوصيتك ويسرق حقك في التعبير وإبداء الرأي مهما حاولت أن تكون موضوعيا ليمارس إرهابه الثقافي والنفسي عليك وعلى ذائقتك، هذا الاغتصاب لذائقة الآخرين وحقهم في التعبير وإبداء الرأي قد يجعل من القارئ مع الوقت غير قادر على إبداء الرأي تجنبا لتلك الحملات ولأننا نخاف المواجهة، نخاف التصريح بآرائنا خشية الخسارة التي يقودها البعض إكراما لاسم معين.

ثمة حقائق ثابتة تفترضها الكتابة أو لنقل أي عمل إبداعي، النص أو العمل الثقافي قابل دائما لقراءات متعددة وأحيانا مختلفة كليا ومتضادة، العمل بعد أن يخرج من عقل وأصابع صاحبه أصبح كائنا مستقلا، نقد العمل لا يعني أبدا المساس بشخص صاحبه على العكس تماما، الذائقة متعددة، بمعنى أن الكتابة التي أعجبت صديقتي قد لا تثير شيئا فيّ، الأسماء لا تعني نصا جيدا بالضرورة والأمثلة كثيرة هنا.

الكاتب أو صاحب العمل ليس مطالبا بأن يجند نفسه والآخرين كواجهات دفاعية عن العمل، كل عمل يستطيع أن يحمي نفسه بنفسه، حقائق نتجاهلها ويتجاهلها الآخرون عمدا، ونصير ليصنعوا منا عبيدا لذائقة فرضت علينا قسرا بطرق متنوعة.

(تونس)

المساهمون