07 أكتوبر 2024
لا عزاء لربّات البيوت
يتبنى بعضهم رأياً لا يخلو من تطرّف، مفاده أن مكان المرأة الطبيعي، وبغضّ النظر عن مستواها العلمي وحجم طموحها، هو بيتها. وثمّة نماذج كثيرة لنساء متميّزات، ممّن حققن تفوقاً أكاديمياً باهراً في حقول علمية متخصصة، غير أنهن زهدن، بكامل رضاهن أحياناً، أو مكرهات في معظم الحالات، بفرصة العمل بشكلٍ يبعث الحيرة، ويثير سؤالاً عن جدوى تلك السنوات الطويلة التي قضينها في البحث والدرس، وظلت تلك الشهادات الجامعية بمرتبة الشرف حبيسة في زاوية مهملة من الخزانة، في تواطؤ معلن ضد الذات المهدورة طاقتها، من دون وجه حق.
مقارنةً بصاحبات مهن عديدة، كالطبيبة والممرضة والمحامية والمهندسة، فإن وظيفة ربة البيت هي الأكثر إشكالية، فصاحبات تلك المهن يقمن بأعباء وظائفهن، ضمن ساعات عمل محددة، منصوص عليها قانوناً، يرتب تجاوزها استحقاقات مالية على رب العمل، كما تتمكن تلك المهنيات من إنهاء علاقتهن بأجواء الوظيفة من مسؤوليات وتنافس وقلق وظيفي وخصومات إدارية حال مغادرة مقر العمل، على النقيض من ربات البيوت اللواتي يقمن بأعمالهن في الظل، وبصمت مطبق، وعلى مدار الساعة، كون مهنتهن تتضمن قائمةً لا حصر لها من الأعباء والمهام المنهكة، القابلة للتكرار، طوال الوقت وبلا نهاية، كما أن هذه الوظيفة الملتبسة تتطلّب خبرة واسعة في حقول عديدة، تتجاوز مهارات باتت تصنّف علوماً، يحصل المرء على شهادات فيها، كإدارة شؤون البيت من تنظيم ميزانية ومتابعة احتياجات وإتقان مهارات الطهي والتنظيف والترتيب وتربية الأطفال ومتابعة صحتهم النفسية والجسدية ومراقبة سلوكهم وتحصيلهم العلمي وغيرها من مهام جسيمة ينظر إليها بعضهم بعين الاستخفاف وقلة التقدير، وهي المهنة الأكثر عرضة للإجحاف وسوء الفهم، يعتبرها بعضهم مصيراً أسود يتربص بالنساء الفاشلات، ممّن لم يحققن إنجازاً أكاديميا يذكر، فيذهبن باندفاع إلى زواجٍ يكفيهن شر الطموح المهني!
حين تملأ النساء خانة المهنة في وثائقهن الرسمية بعبارة ربة بيت، فإن التفسير البديهي للعبارة هو عاطلة من العمل، وفق منظورٍ قاصرٍ عن إدراك مدى صعوبة هذه الوظيفة الاستثنائية، وتنوّعها، ضمن ثقافةٍ لا تقيم وزناً كبيراً لعرق المرأة المبذول على مدى اليوم، من دون انقطاع، وتعتبره "تحصيل حاصل"، وواجباً مفروضاً وبنداً ضمنياً في عقد الزواج، يفيد بأن شؤون التدبير المنزلي مسؤولية المرأة حصراً.
ويصنّف بعضهم مساهمة الرجل فيها ضمن نطاق العيب وقلة الهيبة، وتقليلاً فادحاً من قيمة الرجولة، وباستثناءات قليلة جداً، فإن رجالاً كثيرين يرفضون، من حيث المبدأ، المشاركة في أيٍّ من الوظائف المنزلية، وإذا بادر بعضهم إلى مساعدة زوجاتهم أحياناً، وعلى سبيل التضامن، وفي ظروفٍ استثنائية، فإنهم يحجمون عن ذلك في حضرة الضيوف، خشية التعرض للسخرية والتهمة (بأنهم محكومون لنسوانهم!). وبحسب دراسات نفسية عديدة، تظل ربات البيوت في كل بلاد الدنيا الفئة الأكثر تعرضاً للإحباط والتوتر والكآبة، لأسباب عديدة، أهمها الإرهاق الشديد، وانعدام الإحساس بالإنجاز أو التطور، نظراً لمحدودية الفضاء الذي يتحركن فيه.
من هنا، فإن ربات البيوت بحاجة إلى تصويب النظرة الدونية إلى طبيعة عملهن، وإلى تشريعات حضارية تكفل لهن حقوقهن الضائعة، لأن المهمة الملقاة على عاتقهن شاقة بكل المقاييس، وهي المهنة الأكثر صعوبةً، كونها لا تحظى بالتقدير والاعتراف المطلوبين، ويخلو قاموسها من الإجازات المرضية والسنوية والعلاوات والمكافآت الاستثنائية، ولا تحتوي أية حقوق عمالية من ساعات راحة وزيادة سنوية، وضمان اجتماعي، أو تقاعد مريح، أو مكافأة نهاية خدمة، أو فرصة للترقّي، ولو درجة واحدة على سلّم الحياة غير الرحيمة.
مقارنةً بصاحبات مهن عديدة، كالطبيبة والممرضة والمحامية والمهندسة، فإن وظيفة ربة البيت هي الأكثر إشكالية، فصاحبات تلك المهن يقمن بأعباء وظائفهن، ضمن ساعات عمل محددة، منصوص عليها قانوناً، يرتب تجاوزها استحقاقات مالية على رب العمل، كما تتمكن تلك المهنيات من إنهاء علاقتهن بأجواء الوظيفة من مسؤوليات وتنافس وقلق وظيفي وخصومات إدارية حال مغادرة مقر العمل، على النقيض من ربات البيوت اللواتي يقمن بأعمالهن في الظل، وبصمت مطبق، وعلى مدار الساعة، كون مهنتهن تتضمن قائمةً لا حصر لها من الأعباء والمهام المنهكة، القابلة للتكرار، طوال الوقت وبلا نهاية، كما أن هذه الوظيفة الملتبسة تتطلّب خبرة واسعة في حقول عديدة، تتجاوز مهارات باتت تصنّف علوماً، يحصل المرء على شهادات فيها، كإدارة شؤون البيت من تنظيم ميزانية ومتابعة احتياجات وإتقان مهارات الطهي والتنظيف والترتيب وتربية الأطفال ومتابعة صحتهم النفسية والجسدية ومراقبة سلوكهم وتحصيلهم العلمي وغيرها من مهام جسيمة ينظر إليها بعضهم بعين الاستخفاف وقلة التقدير، وهي المهنة الأكثر عرضة للإجحاف وسوء الفهم، يعتبرها بعضهم مصيراً أسود يتربص بالنساء الفاشلات، ممّن لم يحققن إنجازاً أكاديميا يذكر، فيذهبن باندفاع إلى زواجٍ يكفيهن شر الطموح المهني!
حين تملأ النساء خانة المهنة في وثائقهن الرسمية بعبارة ربة بيت، فإن التفسير البديهي للعبارة هو عاطلة من العمل، وفق منظورٍ قاصرٍ عن إدراك مدى صعوبة هذه الوظيفة الاستثنائية، وتنوّعها، ضمن ثقافةٍ لا تقيم وزناً كبيراً لعرق المرأة المبذول على مدى اليوم، من دون انقطاع، وتعتبره "تحصيل حاصل"، وواجباً مفروضاً وبنداً ضمنياً في عقد الزواج، يفيد بأن شؤون التدبير المنزلي مسؤولية المرأة حصراً.
ويصنّف بعضهم مساهمة الرجل فيها ضمن نطاق العيب وقلة الهيبة، وتقليلاً فادحاً من قيمة الرجولة، وباستثناءات قليلة جداً، فإن رجالاً كثيرين يرفضون، من حيث المبدأ، المشاركة في أيٍّ من الوظائف المنزلية، وإذا بادر بعضهم إلى مساعدة زوجاتهم أحياناً، وعلى سبيل التضامن، وفي ظروفٍ استثنائية، فإنهم يحجمون عن ذلك في حضرة الضيوف، خشية التعرض للسخرية والتهمة (بأنهم محكومون لنسوانهم!). وبحسب دراسات نفسية عديدة، تظل ربات البيوت في كل بلاد الدنيا الفئة الأكثر تعرضاً للإحباط والتوتر والكآبة، لأسباب عديدة، أهمها الإرهاق الشديد، وانعدام الإحساس بالإنجاز أو التطور، نظراً لمحدودية الفضاء الذي يتحركن فيه.
من هنا، فإن ربات البيوت بحاجة إلى تصويب النظرة الدونية إلى طبيعة عملهن، وإلى تشريعات حضارية تكفل لهن حقوقهن الضائعة، لأن المهمة الملقاة على عاتقهن شاقة بكل المقاييس، وهي المهنة الأكثر صعوبةً، كونها لا تحظى بالتقدير والاعتراف المطلوبين، ويخلو قاموسها من الإجازات المرضية والسنوية والعلاوات والمكافآت الاستثنائية، ولا تحتوي أية حقوق عمالية من ساعات راحة وزيادة سنوية، وضمان اجتماعي، أو تقاعد مريح، أو مكافأة نهاية خدمة، أو فرصة للترقّي، ولو درجة واحدة على سلّم الحياة غير الرحيمة.