كيف ظهرت الملائكة في السينما المصرية؟

10 مارس 2016
أبوسويلم الفلاح المصري الذي تسكنه كل تفاصيل الملائكة(مواقع التواصل)
+ الخط -

لم نر ملاكاً من قبل، فقط اعتمد الوعي الجمعي على تلك الصورة المرسومة في كتيبات الأطفال لكائنات نورانية بيضاء تحملها أجنحة كبيرة لتطير في السماء، وعلى خلاف الصورة أصبح لفظ "الملاك" لغوياً يتم استخدامه لمدح الأشخاص الطيبين.


ربما يرى المجتمع الملاك أفضل من الإنسان على الرغم من قوله تعالى: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" لكن السينما أيضاً قدمت عدة نماذج لملائكة يندر وجودها بين البشر:

1- محسن في فيلم "طيور الظلام"
لم يكن اختيار السيناريست وحيد حامد لاسم شخصية محسن التي لعبها الفنان أحمد راتب عشوائياً، حيث اختار اسماً ينم عن الخير ولم ينتحل له لقباً كصديقيه فتحي نوفل وعلي الزناتي لأن الملائكة بلا آباء، شخصية خيالية في زمن فاسد لم تتغير طبيعتها ولم تنحن رغم الظروف الصعبة وكم هائل من الاغراءات والفساد.

حرص المخرج شريف عرفة على تكثيف الإضاءة في كل مشاهدها ليبدو دائماً وكأن حول رأسه هالة نورانية تماماً كالموروث الشعبي عن الملائكة والقديسين.

كان محسن في "طيور الظلام" هو نقطة النور الوحيدة وفي زمن الفساد فقط يبقى النور على الهامش تماماً كمحسن في الفيلم.

2- رضا في فيلم "كتيبة الإعدام"
ملائكة أسامة أنور عكاشة أكثر إنسانية من ملائكة وحيد حامد، شخصية رضا التي لعبتها الفنانة سلوى خطاب في كتيبة الإعدام كانت ملاكاً بشرياً لا يشبه محسن في "طيور الظلام" ولا حتى يوسف المنسي في فيلم "المنسي".

شخصية هامشية جداً في الفيلم، تمنح البطل حسن عز الرجال -نور الشريف- الطاقة اللازمة لاستعادة الثقة، تطاردها المتاعب من أجله لكنها لا تتخلى عنه، ملاك حارس إذا أردنا دقة التوصيف.

لم يمنح عاطف الطيب ملاك فيلمه نفس "التيمة" التي صنعها شريف عرفة اكتفى فقط كعادته بأنسنة كل أبطاله وأشراره قبل ملائكته وكانت نظرات عيون رضا لحسن عز الرجال تحمل ألف جناح وجناح يليق بملاك.

لم تكن "رضا" أيضاً بطلة في فيلم "كتيبة الإعدام" لكنها مرت مرور الملائكة الذين إذا مروا، مروا كراماً.

3- الضابط سالم في فيلم "الهروب"
ملاك بشير الديك ضابط، تبدو هذه مزحة لكنه بعبقرية فذة نجح في صناعتها من خلال شخصية الضابط سالم التي لعبها الفنان عبد العزيز مخيون في فيلم "الهروب"، ضابط خيالي يصعب أن نجده في الواقع يحمل من صفات الملائكة الانضباط والرحمة والطاعة والخير.

شخصية تم رسمها بعناية لتكون نقيضاً لدور الشيطان الذي لعبه الفنان محمد وفيق باسم فؤاد الشرنوبي، ضابطان، ملاك وشيطان، ينتصر الشيطان في النهاية لينتهي الهروب، يدخل "منتصر" الجنة في أحضان سالم الذي مات معه ومن أجل حمايته، يظن الشيطان نفسه منتصراً بالخلاص.

هذه المرة يمنح عاطف الطيب ملاكه سمتاً ملائكياً، ربما لم يصبه من الإنسانية سوى تلك الحيرة التي كانت تعصف برأسه مما يدور حوله.

الضابط سالم الذي كان يعشق حلم منتصر بالتحليق في السماء ملاك رائع يهب نفسه للحق ولكنه يبقى حريصاً على الرحمة.

4- محمد أبو سويلم في فيلم "الأرض"
يوسف شاهين ليس مقتنعاً بوجود الملائكة، كيف أقنعه السيناريست حسن فؤاد بتقديم شخصية محمد أبو سويلم التي لعبها الفنان العظيم محمود المليجي في فيلم "الأرض".

المؤكد أن "جو" لم يشعر لحظة بأنه ملاك فقط رأى فيه الفلاح المصري الأصيل -الذي انقرض بالمناسبة- وحرص على تقديمه بصورته المثالية بعد أن فاتته أن في حنايا تلك الشخصية تسكن كل تفاصيل الملائكة.

يعبد الفلاح أرضه ويقدسها، يطيعها ويرعاها ويبذل روحه من أجلها، قدمت الشخصية نموذجاً مختلفاً لملاك حقيقي أحاط كل من حوله بحكمته ورؤيته وانتهى الفيلم على مشهد يديه المخضبتين بالدماء المتعلقة بما قدس وأعطى.

محمد أبو سويلم الذي لم يهن ولم يبع كما باع صديق عمره الشيخ حسونة الذي لعب دوره الفنان يحيى شاهين، ملاك من نوع مختلف، ملاك ملك خيار هاروت وماروت بالعودة للأرض لكن دون سحر فقط إلا عشق "الفلاحة".

قدمت السينما عشرات الشخصيات الملائكية، ربما بدأتها قديماً بالتجسيد الفعلي الطفولي للشياطين والملائكة والقرون الحمراء والأجنحة البيضاء، وكذلك من خلال الشخصيات أحادية الجانب، الشريرة فقط أو الطيبة فقط، البيضاء والسوداء حتى غزت الواقعية شاشاتها وظهرت الشخصيات الحقيقية المركبة.

أملك في جعبتي آراء بملائكة آخرين قد تثير الغضب مثل شخصية "بطة" التي لعبتها الفنانة سعاد حسني في فيلم المشبوه، وشخصية "ميس تهاني" التي لم تظهر في فيلم المخرج محمد خان "في شقة مصر الجديدة" لكننا على موعد الأسبوع القادم مع ما صنعته السينما المصرية في تأصيل قهر المرأة.

(مصر)

المساهمون