وما بين صعود نجمها، متسلّحة بسلطة زوجها الذي حكم البلاد بقبضة من حديد منذ استقلالها في 1980، وليلة سقوطه أمس الأربعاء، طبعت اندفاعة "سيدة غوتشي"، كما تُلقّب بسبب شرهها للتسوّق، نحو السلطة، محطات عديدة، تتمحور أغلبها حول سمات سلبية، عايشها هذا البلد الفقير في جنوب القارة الأفريقية.
هذه السمات، توقّف "العربي الجديد" عند عشرٍ منها:
الزواج من موغابي
لم تكن غريس تنظر إلى روبرت موغابي إلا نظرتها إلى أب، فهي المولودة في 23 يوليو/تموز 1965 في بينوني بجنوب أفريقيا، كانت تصغره بـ41 عاماً عندما بدأت العلاقة بينهما، خلال عملها في الطباعة الآلية بالقصر الرئاسي.
عندما التقت غريس مع موغابي، كان متزوجاً من زوجته الأولى، سالي، التي كانت مريضة في ذلك الوقت. وقد تزوّجت غريس من موغابي، وهو زواجها الثاني، في عام 1996 في حفل باهظ حضره 40 ألف شخص من بينهم نيلسون مانديلا، ولديهما ثلاثة أولاد هم: الابنة بونا، والصبيان روبرت وتشاتونغا.
قالت غريس، في مقابلة نادرة حول لقائهما الأول في أواخر الثمانينيات: "جاء إليّ وبادرني بالسؤال عن عائلتي. نظرت إليه كما أنظر إلى أبي، ولم أكن أتوقع على الإطلاق أن يقول: أنا أحبّ تلك الفتاة".
دكتوراه وهمية
حصلت غريس على شهادة دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة زيمبابوي، خلال شهرين فقط من تسجيلها في الجامعة عام 2014. وعلى عكس الطلاب الآخرين، فإنّ أطروحتها لم يتم تسجيل نسخة عنها في سجلات الجامعات، ولم تتم إتاحتها على الإطلاق.
ومع ذلك، فقد تم استخدام عنوان الدكتوراه كمادة في حملتها، خلال استعداداتها لتولّي قيادة الجناح النسائي في حزب "الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي/الجبهة الوطنية" (زانو-بي إف) الحاكم.
أعمال خيرية علنية
على مر السنين حاولت موغابي كسيدة أولى في زيمبابوي، أن تصوّر نفسها سيدة أعمال قوية، ومحبة للأعمال الخيرية، ووجدت لذلك وسيلة هي إنشاء دار للأيتام في مزرعة خارج العاصمة هراري، وذلك بمساعدة من تمويل صيني، وحرصت على تسليط الضوء على هذا الجانب في العلن.
"سيدة غوتشي"
أما في الخفاء، فُيعرف عن غريس ولعها برحلات التسوق الأسطورية، وتعلّقها بشراء الملابس والأحذية من الماركات العالمية، ولا سيما أحذية "سلفاتوري فيراغامو" ذات الكعب العالي، ولذلك تُلقّب بـ"غوتشي غريس"، نسبة إلى الماركة المشهورة.
وذكرت تقارير أنّ غريس، وخلال قضائها رحلة في العاصمة الفرنسية باريس، صرفت مبالغ طائلة بشكل عشوائي، ووصلت إحدى فواتيرها إلى مبلغ 75 ألف يورو.
تعنيف مصور واعتداء على عارضة
في عام 2009، حاول ريتشارد جونز المصور البريطاني، التقاط صورة لغريس خارج فندق في هونغ كونغ، من دون ترحيبها بذلك.
وادعى جونز حينها، أنّه تمت مطاردته من قبل حراسها الشخصيين، الذين ثبتوا ذراعيه كي توجه غريس لكمات على وجهه مراراً وتكراراً.
وقد تورّطت منذ ذلك الحين في عدة حوادث خارج زيمبابوي: في سنغافورة، وفي ماليزيا، ومؤخراً في جنوب أفريقيا، حيث اتُّهمت في أغسطس/آب الماضي، بالاعتداء على عارضة أزياء. وقالت العارضة وتدعى غابرييلا إنغلز (20 عاماً)، إنّ السيدة الأولى لزيمبابوي ضربتها بسلك على وجهها. إلا أنّ تمتع غريس بحصانة دبلوماسية سمح لها بالعودة إلى هراري، من دون عقاب.
ممتلكات وعقوبات
لدى العائلة الأولى في زيمبابوي، ممتلكات وشركات ومزارع واسعة تنتشر في أنحاء البلاد، ولا سيما في محافظتي ماشونالاند الغربية والشمالية الغنية.
خارج دورها كسيدة أولى، قامت غريس أيضاً بتشغيل العديد من شركات التعدين الفاشلة، وبنت إمبراطورية لصناعة الألبان الخاصة بها، في خمس مزارع مملوكة للبيض سابقاً. وقد تم طرد الملاك السابقين خلال عملية الإصلاح الزراعي المثير للجدل في زيمبابوي.
وتخضع السيدة موغابي، مع زوجها، لعقوبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بما في ذلك حظر السفر، فرض الاستيلاء على الأراضي، والاتهامات بتزوير الانتخابات، فضلاً عن استخدام القمع ضد المعارضة السياسية.
التعلّم من زوجها... لخلافته
كانت غريس تتعلّم من زوجها، وفق ما أفصحت مرة في خطاب عام 2012، قائلة "كنتُ صغيرة جداً عندما بدأتُ العيش مع الرئيس موغابي، لكنّه كان صبوراً معي، واستغرق وقتاً طويلاً للاعتناء بي حتى أصبحت المرأة التي أنا عليها الآن".
وعلى الرغم من كونه الرئيس الأكبر سناً في العالم (93 عاماً)، رشّح الحزب الحاكم موغابي لإعادة انتخابه العام المقبل، وسط مخاوف مستمرة بشأن صحته بعد أن قام بعدة رحلات طبية إلى الخارج.
إلا أنّ غريس (52 عاماً) والتي لطالما كانت مؤيدةً قوية لزوجها، قالت، في وقت سابق من هذا العام، إنّه يمكن لموغابي الفوز بالأصوات "كجثة".
وقالت إنّ على مؤيدي الرئيس أن يضعوا اسمه في صناديق الاقتراع للتعبير عن حبهم له، مضيفة "إذا اختاره الله فإنّ علينا أن نقدّمه كجثة".
دعم من الحزب الحاكم... وسخط شعبي
في عام 2014، تم تسليط الضوء على غريس كخلف محتمل لزوجها. وأصبحت رئيسة الرابطة النسائية لحزب "الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي/الجبهة الوطنية" (زانو-بي إف) الحاكم، وهو منصب منحها مقعداً في هيئة صنع القرار، وهي المكتب السياسي للحزب.
تلقّت السيدة دعماً نشطاً من رابطة "شباب زانو - الجبهة الوطنية"، وتجمّع بعض السياسيين حولها لتشكيل فصيل يسمى الجيل 40 (G40)؛ وهو عبارة عن مجموعة من القادة الأصغر سناً الذين عمدوا إلى تمييز أنفسهم عن الطبقة الأكبر في الحزب.
تولّت آلة الدعاية الحكومية الحديث عن فطنتها السياسية، بينما بدأت هي تنظيم مسيرات لمجابهة أعداء الرئيس المحتملين.
ولم تخفِ غريس رغبتها في تولّي منصب رئيس البلاد، خلفاً لزوجها، ففي تجمّع شعبي نُظم عام 2014 قالت: "يقولون إنّني أريد أن أكون رئيسة، لماذا لا.... ألست من زيمبابوي؟".
وعلى الرغم من دعم الحزب الحاكم لها، لا تحظى غريس بشعبية كبيرة وسط المواطنين في زيمبابوي، الذين كانوا ساخطين من التقارير عن إنفاقها الباهظ، فضلاً عن أنّها ليست المنافس الوحيد على العرش.
إقصاء المنافس
يُعتبر نائب الرئيس إيميرسون منانغاغوا، المنافس الرئيسي لغريس على طريق الوصول إلى رئاسة السلطة في زيمبابوي، ولذلك اتُّهم بالخيانة، وأُقيل من منصبه في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني 2017.
وقد حظيت غريس بدعم أعضاء الحزب الرئيسيين، بمن فيهم زوجها، لنجاحها في منصب نائب الرئيس.
فمع أنّ غريس وصفت مرة وزير العدل السابق، بأنّه "مخلص ومنضبط"، دعت بحلول عام 2017، علناً زوجها لإقالة منانغاغوا، وادعت أنّ مؤيديه يخططون لانقلاب.
وعندما سقط مريضاً في أحد التجمّعات، توجّب نقله جواً من البلاد لتلقّي العلاج، بينما اتهم مؤيدوه بمحاولة تسميمه من خلال "آيس كريم" صُنع من مزرعة موغابي للألبان، وهو اتهام نفته غريس.
ولاحقاً، قال منانغاغوا إنّه تعرّض لمحاولة تسميم "كاذبة وخبيثة"، مشيراً بذلك إلى أنّها كانت مقصودة على يد السيدة الأولى.
وفعلاً خضع موغابي لطلبات زوجته غريس، وقام في نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، بإقالة منانغاغوا الذي فرّ بدوره من البلاد.
ليلة السقوط
بعد أسبوع فقط على إقالة منانغاغوا، استولى عناصر من الجيش على التلفزيون الرسمي، يوم الأربعاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني، وأُفيد بأنّ الرئيس روبرت موغابي قيد الإقامة الجبرية، في خطوة فُسّرت على نطاق واسع على أنّها محاولة محتملة لاستبداله بنائبه المُقال.
وفي كلمة مقتضبة عبر التلفزيون الوطني الذي سيطر عليه جنودٌ ليلاً، تلا ضابط في جيش زيمبابوي، بياناً، مباشرة على الهواء، أكد فيه أنّ البلاد لا تشهد انقلاباً عسكرياً، وأنّ الرئيس روبرت موغابي وأسرته بخير، وما يقوم به الجيش هو مجرد "استهداف للمجرمين المحيطين" بالرئيس، مشيراً إلى أنّه "حالما تُنجز مهمتنا نتوقع عودة الوضع إلى طبيعته".
واتهم حزب "زانو-بي إف" الحاكم، قائد الجيش الجنرال كونستانتينو شيونغا "بالخيانة" بعدما انتقد الأخير، موغابي، لإقالته منانغاغوا، والذي أفسحت إزالته الطريق أمام غريس لتكون الرئيسة المقبلة، الأمر الذي يعارضه بشدة ضباط كبار في الجيش.
ولم تكن هذه الخطوة، انقلاباً عسكرياً على موغابي، بقدر ما كان الهدف الرئيسي لقادة الجيش هو منع غريس، من أن تخلفه في حكم زيمبابوي.