عيد الأضحى في تونس.. حضرت الكباش وغاب الزبون

31 اغسطس 2017
(في أسواق تونس، تصوير: فتحي بلعيد)
+ الخط -

"العلوش موجود ولكنّ الزبون غائب"، بهذه الكلمات اختار بائع الأغنام المِمّي اللطيف، الحديث عن الأجواء في "رحبة" مدينة منزل كامل، قبل احتفال التونسيين كغيرهم من المسلمين بعيد الأضحى المبارك بيومين.

في "رحبة" مدينة منزل كامل التابعة لولاية المنستير، يقف المِمّي رفقة ابنه يجيب السائلين عن أثمان الأضاحي وكلّه أمل في الظفر بزبون قادر على شراء "علّوش العيد" بعد طول انتظار تحت أشعّة الشمس الحارقة.

يقول المِمّي وهو جزّار ومربّي أغنام، سهر على تربيتها لأشهر طويلة، إن أثمان الأضاحي هذه السنة معقولة ولكن الإقبال ضعيف بسبب تدنّي القدرة الشرائية للمواطن البسيط، لكن المتعوّد على التضحية لن يثنيه أيّ شيء عن شراء أضحيته ككل عيد.


كباش "التهريب" الليبية
يواصل الرجل الخمسيني حديثه لـ"جيل" وعينه على قطيع أغنامه قائلًا "تربية الأغنام مكلفة على الفلاح، ولكن الأغنام المهرّبة التي دخلت البلاد تحكّمت في أسعار السوق هذا العام".

المِمّي اللطيف ليس وحده من عبّر عن استيائه من اقتحام الأغنام المهرّبة السوق المحليّة، فالعديد من التّجار لم يخفوا سخطهم من تواصل تهريب الأضاحي من ليبيا إلى الأسواق التّونسية في ظلّ غياب الرقابة، وهو ما تسبّب في انخفاض الأسعار، ويعود سبب ذلك إلى أن الأغنام القادمة من ليبيا رخيصة الثمن وتصل أحيانًا إلى نصف ثمن ما تباع به الأغنام المحلية، رُغم ما يشاع عنها بأن لحومها أقل جودة من نظيرتها التونسية.

ربّما ما لا يعرفه البعض، أن أسعار الكباش في تونس تُباع أيضًا بالكيلوغرام، حيث حُدّدت أسعار الكباش في نقاط البيع التي هيّأتها وزارة الفلاحة، ثمن خروف وزنه أقل أو يساوي 45 كلغ بـ 11 دينارا للكيلغرام الواحد و10 دنانير للأضحية التي تتجاوز 45 كلغ (4 دولارات للكيلو تقريبًا)، وهو ما يحدّد اختيار الأضاحي حسب قدرة المواطنين، غير أن هذه الطريقة التي تُعرف بأنها توفّر للزبائن أسعارًا معقولة، تنفّر الكثيرين لأن الباعة يلجأون إلى تسمين الأغنام بالماء والخبز لزيادة وزنها. وعمومًا تتراوح أسعار الأضاحي في تونس هذه السنة ما بين 300 إلى 700 دينار.


إقبال ضعيف
جمال الوسلاتي تونسي مقيم بفرنسا كان يتحدّث مع الممّي متوسّطًا لشقيق زوجته في العثور على أضحية بسعر مناسب، أكد أن أسعار الأضاحي هذه السنة أقل من السنة الماضية ولكنّها ليست في متناول أيّ كان. يقول الوسلاتي في حديث إلى"جيل" "أسعار الأضاحي هذا العيد في نزول لكن الشاري الذي تضرّرت مقدرته الشرائية غير قادر على شراء أضحية هذا العام لأنه لا يملك المال الكافي".

تمتلئ ساحة مدينة منزل كامل، كغيرها من آلاف نقاط بيع الأضاحي المنتشرة في تونس، بأنواع مختلفة من الأغنام، كما أنها تغصّ بعشرات السائلين عن الأثمان، لكن طيلة وجودنا لم نلحظ سوى عدد يسير من هؤلاء السائلين يدفعون عربونًا مقدّما للباعة حتى يظفروا بهذه الأغنام متى ما قدروا على تسديد باقي الثمن خلال اليومين المتبقّيين.

في هذا السياق، كشف المعهد الوطني للإحصاء أن من المحتمل أن ينفق التونسيون حوالي 435 مليون دينار (نحو 180 مليون دولار) بمناسبة عيد الأضحى المبارك، مشيرًا إلى أن الإقبال على شراء الأضاحي هذه السنة يُعتبر متواضعًا رغم تراجع أسعارها مقارنة بالسنة الفارطة، وذلك نظرًا لتزامن العيد مع العودة المدرسية.

قدّرت الجهات الرسمية في تونس عدد الأضاحي المتوفّرة لهذا العيد بمليون و200 ألف أضحية مع تسجيل زيادة تقدر بـ 70 ألف أضحية مقارنة بالسنة الماضية، لكن وفي بلد تتجاوز فيه نسبة الفقر حاجز 15 في المائة وفق أرقام رسميّة، سيحرم مئات الآلاف من التضحية هذا العام رغم صرف وزارة الشؤون الاجتماعية مساعدات قدرها 40 دينارًا تونسيًا (16 دولارًا) في شكل إعانة للعائلات المعوزة بمناسبة عيد الأضحى المبارك.


تدهور القدرة الشرائية 
الجزّار بدر بوعائشة، أكد هو الآخر تراجع إقبال التونسيين على شراء الأضاحي هذا العام بسبب تدهور قدرتهم الشرائية وتزامن العيد مع فصل الصيف والعودة المدرسية، مشيرًا إلى أن ثمن الخروف هذا العام ليس غاليًا إذا ما قارناه بالأعوام التي سبقت.

يكشف بوعائشة لـ"جيل" بنبرة فيها كثير من الحسرة عن تراجع عدد زبائنه الذين قصدوه لذبح أضاحيهم يوم العيد إلى النصف تقريبًا، كما توقّع في حديثنا معه ألا يشهد بيع اللحوم صباح العيد إقبالًا كبيرًا مثل السنوات الماضية.

يختم الجزارالتونسي حديثه قائلًا "القدرة الشرائية للمواطن تراجعت بشكلٍ ملحوظ عن السنوات التي مضت، وقد تأكدنا من ذلك خلال الأشهر الأخيرة التي تخلّلها عيد الفطر وموسم الصيف حيث لم يعد الإقبال على اللحوم مثل سابق عهده".

بالعودة إلى أجواء بورصة الأغنام، يعوّل الممي كثيرًا على اليومين الأخيرين قبل عيد الأضحى لكي يبيع ما تبقّى من قطيع أغنامه التي أشرف على تربيتها طيلة أكثر من عام، لأن هذه الفترة ستشهد في الغالب إقبالًا كبيرًا من التونسيين على أماكن بيع الأضاحي للظفر بكبش أملح بثمن مناسب.

المساهمون