عهد الرعب للمعارضين السعوديين في الخارج: شهادات حية

08 أكتوبر 2018
اتهامات للسعودية بقتل جمال خاشقجي (العربي الجديد)
+ الخط -

منذ صعود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لسدة الحكم الفعلي بعد عزله ولي العهد السابق وابن عمه، محمد بن نايف، بات المعارضون السعوديون في الخارج يتلفّتون وراءهم كل يوم، خوفاً من التعرّض للأذى بسبب سياسات الأمير الشاب. ولم يكن حال المعارضين السعوديين في الخارج قبل "عهد الخوف" الذي دشّنه بن سلمان، ذهبياً، في ظلّ ملاحقة الأمراء الذين تولّوا ملفات الأمن الداخلي والخارجي لهم، مثل الأمير فهد بن عبد العزيز الذي صار ملكاً فيما بعد، والأمير نايف بن عبد العزيز ومن بعده ابنه الأمير محمد بن نايف الذي صار ولياً للعهد، قبل أن يخلع.

ولم يسلم أي صوت معارض من التعقّب، فقد لاحقت السلطات السعودية أيضاً الأمراء المنشقّين عن الأسرة الحاكمة، إمّا لخلافات سياسية أو مالية، وأعادتهم بالقوة إلى الرياض، وكذلك المعارضين الكبار الذين كانت تخشى من تأثيرهم، مثل ناصر السعيد الذي اختفى بعد خطفه من بيروت عام 1979، وأيضاً سعد الفقيه ومحمد المسعري اللذين تعرضا لمحاولات خطف بعد لجوئهما إلى العاصمة البريطانية لندن.

 لكن أياً من العهود السابقة لم يكن شبيهاً بعهد اليوم، وفق ما يقول المعارضون السعوديون، إذ كشّرت السلطات السعودية عن أنيابها وطوّرت نموذجاً أمنياً في السفارات والقنصليات السعودية، يشبه النماذج التي قامت عليها الدول الاستبدادية الكبرى في الوطن العربي، مثل سورية والعراق. وبات موظفو السفارات السعودية في بريطانيا وكندا وتركيا والولايات المتحدة، وهي البلدان التي يوجد فيها المعارضون السعوديون، متخصصين في ملاحقة الناشطين المعارضين والتجسّس عليهم ومحاولة إيذائهم أو إيذاء عائلاتهم.

وفي هذا الإطار، قال معارض سعودي لجأ إلى كندا برفقة زوجته وابنه لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إنّه بات يمشي خائفاً "فالنظام السعودي بات نظاماً متوحشاً لا يرحم أحداً في الداخل والخارج، والشخص الذي أخفى أبناء عمومته في (فندق) الريتز (كارلتون) وتدور شبهات كبيرة حول قتله أحدهم – في إشارة لأمير الرياض السابق تركي بن عبدالله - من أجل الأموال، لن يتوانى عن قتل أو إيذاء المواطنين العاديين الذين يطالبون بالحرية والإصلاح".

وأضاف المعارض أنّ "الملوك السابقين لم يكونوا ملائكة، لكن مقارنة بمحمد بن سلمان، فإنّ الجميع بات يترحّم على عهدهم، حتى المعارضون في الخارج، لأنهم لم يكونوا بمثل هذا الجنون"، على حدّ تعبيره.


بدوره، بدا المعارض السعودي الشهير، ورئيس مركز "القسط" لحقوق الإنسان في لندن، يحيى عسيري متأثراً وهو يتجنّب الردّ على سؤال وجهته إليه "العربي الجديد" حول ملاحقة المعارضين. وقال: "لن أجيب، لأنني لو قلت نعم السلطات تلاحقنا وتريد قتلنا، فذلك يعني أننا بتنا نعترف بهذا كأمر واقع، وستستهله السلطات السعودية، وأتمنى من كل معارض سعودي ألا يجيب عن سؤال مثل هذا".

لكن عدم جواب عسيري عن السؤال الذي بات يشغل بال المعارضين السعوديين في الخارج، لن يغيّر من واقع أنّ النظام السعودي ترك الاهتمام بالملفات الاقتصادية والسياسية التي يروّج لها ولي العهد في كل لقاء تلفزيوني، من قبيل رؤية 2030 وتخصيص شركة "أرامكو"، والتفت إلى ملاحقة الناشطين والناشطات في الخارج. وقصة عمر بن عبد العزيز الزهراني ربما تختصر كثيراً من "منطق" تعاطي الرياض مع المعارضين في الخارج.

والزهراني معارض سعودي شاب، تحوّل إلى مصدر إزعاج وقلق لولي العهد محمد بن سلمان شخصياً، بعد جهوده الكبيرة على مدى سنتين في تسهيل لجوء المئات من السعوديين الهاربين والسعوديات الهاربات من البلاد إلى كندا، وقيامه بالبث المباشر بشكل أسبوعي على الإنترنت، وتدشينه حملات معارضة منظمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كردّ على الجيوش الإلكترونية النظامية التي يشرف عليها المستشار في الديوان الملكي، سعود القحطاني.

وتجسست السلطات السعودية على هاتف عمر بن عبد العزيز طوال أشهر عبر تطبيق إلكتروني إسرائيلي، بهدف الحصول على معلومات كافية حول اللاجئين السعوديين في كندا وأسمائهم وعددهم وأماكن سكنهم. كذلك قامت السلطات بملاحقة إخوته المقيمين في السعودية وإيداعهم السجن كمحاولة لإجباره على العودة.

ولم يكن الهدف من قيام السلطات بهذه الأعمال تجاه المعارضين في الخارج، والاشتباه بقيامها بقتل رجل رفيع المستوى، يملك علاقات كبيرة في كل صحيفة عالمية، مثل جمال خاشقجي، هدفاً عادياً. بل هي رسالة تحذيرية إلى كل معارض سعودي في الخارج بأنّ من يفكّر في الاعتراض على أيّ تصرّف اقتصادي أو سياسي أو حتى اجتماعي من تصرفات بن سلمان، فإنه سيتعرّض للأذى في أي بلد كان، مستغلاً الحصانة التي يمنحها له الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والأموال الضخمة التي يمكنه بها رشو المسؤولين ورجال الشرطة في أي بلد.