صيف بريطانيا الساخن

13 يوليو 2018
+ الخط -
أيام استثنائية مرت على بريطانيا منذ الإثنين الماضي، سمتها الأساسية ارتفاع درجات الحرارة على أكثر من واجهة، وفي أكثر من ميدان. بدأ الأسبوع الحار فجر الإثنين الماضي عندما صُدمت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، باستقالة الوزير ديفيد ديفيس المكلف بملف مفاوضات "بريكست"، والمسؤول الأول عن تأمين خروج سلس لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ثم ارتفعت درجة الحرارة أكثر مع استقالة وزير الخارجية، بوريس جونسون، ما ألقى ظلالا ثقيلة على مصير حكومة ماي التي باتت تترنّح، لا من حرارة الطقس، وإنما من اتساع شقوقٍ وتصدّعاتٍ أصابت صفوفها، منذ فشلت في الانتخابات العامة المبكرة التي أجريت العام الماضي، بالحصول على أغلبية برلمانية، تسمح لها بتمرير ما وعدت به الناخبين من سياسات اقتصادية واجتماعية، وبرامج في الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي.
مع استقالتي الوزيرين، ديفيد ديفيس وبوريس جونسون، وما تبعهما أو سبقهما من استقالات أو إقالات وزراء وموظفين سامين، مكلفين بملفات حساسة، مثل الأمن والمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، ارتفع منسوب الشك بإمكانية استمرار ماي على رأس الحكومة البريطانية وقتا طويلا. وترجّح هذه التكهنات حالة التململ أو التذمر التي يتسرّب صداها من غرف حزب المحافظين المغلقة إلى وسائل الإعلام، وتشي بما يشبه الإعداد لانقلابٍ أبيض على السيدة التي طالما حلمت بأن تكون مارغريت تاتشر الثانية.
يقول رأي آخر إن السيدة ماي سعيدة جداً بالتخلص من أقوى صقور "بريكست"، وربما ستشعر بالراحة أكثر بعد انصراف المشاغب، طويل اللسان، بوريس جونسون، الذي أحال الدبلوماسية البريطانية إلى سيرك لا ينافسه إلا سيرك صديقه في البيت الأبيض.
ومهما كان الحال، يبدو أن لعنة "بريكست" التي أطاحت رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، لن ترحم تيريزا ماي. ولا يبدو أن الصيف الحار سيمنح رئيسة الوزراء وقتا طويلا للراحة والاستجمام على شاطئ البحر، أو في حديقة منزلها الريفي، بينما أمواج السياسة العالية تتلاطم على عتبات مستقبلها السياسي، بعد أن تركها الحلفاء الألدّاء تواجه مصيرها وحيدةً في أتون حرارة نيران أشعلوها منذ استفتاء "بريكست" صيف العام 2016.
بعيداً عن كواليس السياسة، كان يوم الأربعاء أكثر سخونةً وحرارةً في ميادين الرياضة، وقد تقلب البريطانيون على صفيح رياحٍ ساخنةٍ طوال مواجهة منتخبهم الوطني مع نظيره الكرواتي في نهائيات كأس العالم. 120 دقيقة عاشها الجمهور البريطاني، وكأنها الدهر. رفعهم هدفٌ مبكر نحو السماء، قبل أن ترميهم عواصف الأهداف الكرواتية خارج المستطيل الأخضر. هزيمةٌ انطفأ معها الحلم الإنكليزي، وعاد المنتخب إلى لندن خالي اليدين، من دون كأس طالما حلم بها البريطانيون منذ عقود.
وما كادت مشاعر البريطانيين تهدأ بعد الخسارة أمام كرواتيا، حتى عادت درجات الحرارة للارتفاع إلى حد الغليان يوم الخميس، عندما حلَّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، زائراً ثقيلاً على لندن، في زيارةٍ تم تأجيلها مرات عدة. استقبل البريطانيون الضيف الأميركي بمظاهراتٍ حاشدة غير مُرحبة. اصطف كل كارهي ترامب والناقمين عليه، من المدافعين عن المسلمين والمهاجرين والنساء، إلى أنصار البيئة، ومناهضي الحرب. لم يفرش البريطانيون سجادة حمراء للضيف الأميركي الذي تجنب السير في شوارع العاصمة، بل أطلقوا في سماء لندن بالون هواء على هيئة الطفل ترامب المنفوخ. أما رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، فلم تظهر حرارةً في مصافحة ترامب الذي لم يوفرها من تغريداته الساخرة أو المهينة.
مع نهاية الأسبوع البريطاني الحار، قد تنحسر حرارة الطقس، أو هكذا بشّرت عارضة النشرة الجوية البريطانيين، وشجّعتهم على التمتع بالجو الاستثنائي، قبل عودة مبكرة لموسم الشتاء. أما حرارة المناخ السياسي، فلا يبدو أنها ستبرد قريباً، حيث يصعب التخمين بما تحمله رياح "بريكست" الساخنة، وإذا ما كان خريف تيريزا ماي سيحلّ قبل موعده، أم أن السيدة التي يصفها بعضهم بـ"الباردة" ستتمكّن من إجتياز الصيف الحار بحروقٍ جلديةٍ طفيفة.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.