رشيد العمراني... ريشة تُنطق الجدران بالجمال والسلام

07 يونيو 2019
جداريات نابضة بالحياة (العربي الجديد)
+ الخط -
يؤكد التشكيلي الشاب رشيد العمراني (23 سنة)، ابن مدينة أزرو المغربية، لـ"العربي الجديد"، حبّه لفن الرسم منذ صغره. يقول: "كنت أقف منبهراً باللوحات والرسومات التي أصادفها، سواء داخل المقررات الدراسية، أو على جدران بعض المنازل، فكبُر معي هذا العشق والشغف.
ويضيف: لم أتوقف عن الرسم، بل رسمت على لوحي الخشبي وعلى مقعدي المدرسي، وعلى صفحات كتبي. لا أستطيع وصف ذلك الإحساس الذي يغمرني عندما أحوّل الأشياء البسيطة إلى لوحات ملونة تُدخل البهجة على قلوب كلّ من يراها".
يتحدث عن تلك البدايات: "في السنة الثانية من التعليم الابتدائي، بدأت أكتشف موهبتي في فن الرسم، وجدت تشجيعاً من أسرتي الصغيرة، ومن بعض المعلمين الذين لم يخفوا إعجابهم بما كنت أخطّ من رسومات عفوية فطرية لأشجار ومنازل ووجوه وغيرها. ولاحقاً في المرحلة الإعدادية بدأت بالموازاة مع متابعة دراستي، أحرص على تطوير موهبتي الفطرية واكتساب تقنيات الرسم عبر دروس اليوتيوب. وفي تلك الفترة تعلمت الرسم على القماش بالألوان المائية، ثم الرسم بخامة الألوان الزيتية. وفي المرحلة الثانوية نقلت هذه التجربة الفنية إلى الجدران/ فن الشارع، لتقريبها أكثر من الناس، ومقاسمتهم هذه المتعة البصرية في أجواء مفتوحة، وشغف يختلف عن الرسم منفرداً".
يتابع: "كانت أول جدارية رسمتها للرمز التاريخي طارق بن زياد داخل المؤسسة التعليمية التي أتابع فيها دراستي في مدينة أزرو والتي تحمل الاسم نفسه، وعمري آنذاك لم يتجاوز 17 عاماً. سرّني ما لاقيت من تشجيع، سواء من التلاميذ أو المدرسين والتربويين. حفزوني على المضي قدماً في هذا الفن، وأذكر يومها عبارة ما زالت عالقة في ذهني قالها مدرس اللغة العربية: انظر كيف بوسع ريشة موهبة صاعدة أن تجعل الجمال والسلام يشعّان من جدار".

يضيف: "بعدها تقدمت بطلب الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة في مدينة تطوان شمال المغرب، من أجل دراسة الفنون التشكيلية، البصرية والتطبيقية، لكنني لم أوفق، وبالرغم من ذلك لم أستسلم، وقررت أن أدرس بنفسي وأتعلم، واليوم نحن جيل محظوظ بالمعلومات المتاحة وبالورشات العملية ومحترفات التدريب والتأهيل".


لم يتوقف العمراني عن الرسم، مُسخراً هذه الموهبة لطمس معالم القبح وبعث قيم ومعالم الجمال، مشيراً إلى أنّه يشتغل بأدوات بسيطة وألوان في المتناول، والجدارية قد تستغرق من يوم إلى يومين متواصلين من العمل. يمسك الشاب ريشته بين أصابعه، يغمسها في الألوان ثم يرفعها إلى الجدار في خفة. ومن البياض المحيط به، يبدأ في تشكيل لوحته التي رتّبها في ذهنه وغذاها من خياله وثقافته ومحيطه. وشيئاً فشيئاً تنكشف ملامح الجدارية، وسرعان ما يدخل العمراني في حوار معها، ولا يتركها إلا بعدما تبوح بكلّ شيء.
تحضر في جداريات ولوحات العمراني الطبيعة والرموز الأمازيغية، والأسواق، والأزقة، وغيرها من اليوميات التي تحاكي المجتمع وحركيته، كما تهيمن المرأة أيضاً بشكل كبير، فهي "المرأة والأم والأخت والزوجة. هي بكل اختصار الوطن، وفيها تتجسد كلّ معاني الصبر والتضحية والتفاني والجمال والمحبة. وعندما أمسك ريشتي لا أستطيع منع خيالي من التفكير فيها، ومن استحضار كلّ هذه القيم". المرأة في جداريات العمراني، إما صبية بملامح بريئة، أو شابة في كامل جاذبيتها، أو أم أمازيغية بزيّ تقليدي ووشم بين الحاجبين والذقن، في تعبير واضح عن الهوية والانتماء إلى هذه المدينة الأطلسية التي يعني اسمها بالأمازيغية "الصخرة".
وبالرغم من أنّ جداريات الشاب العمراني تضفي جمالية على الشوارع والمنظر العام للمدينة، فضلاً عن الوقت والجهد الذي يتطلبه منه، فإنّ بعض "دعاة التخريب" لهم وجهة نظر مخالفة، إذ دمروا مؤخراً جدارية امرأة أمازيغية مباشرة بعد انتهائه منها.



يقول العمراني: "لا شك أنّ من قاموا بهذا الفعل يفتقرون إلى رؤية فنية وروح جمالية، جعلتهم يخربون جدارية استغرقت مني جهداً ووقتاً". يلفت إلى غياب ثقافة فنية وأنشطة موازية في المدينة تربّي الذوق الفني وتساهم في تأطير الشباب، وفي أن تسود قيم التسامح والسلام. يؤكد ابن مدينة أزرو أن خير ردّ على هؤلاء هو عدم التوقف عن الإبداع ومقاسمة تجربته مع كلّ من يحب الجمال ويشيد به، لأنّ الفن ينتصر في النهاية.
يحرص العمراني على المشاركة في العديد من الفعاليات التي تنظمها بعض المؤسسات والمراكز الثقافية، أو جمعيات المجتمع المدني، يقول عنها: "أشارك في بعض الأنشطة متطوعاً بالمجان، من أجل خدمة مدينتي التي أتمنى من المسؤولين أن يمنحوها قيمة ومكانة كبقية المدن".
ويشير العمراني إلى أن تجربة الرسم على الجدران ساهمت في إكسابه جمهوراً جديداً، إذ استفاد من منصات مواقع التواصل الاجتماعي، ويحرص على مشاركة متابعيه جديد لوحاته وأنشطته، وذلك بالموازاة مع تلقّيه طلبات رسم بورتريهات وغيرها، يدبر معيشته من أجرها، وإن كانت هذه العروض، بحسب تعبيره، موسمية وغير دائمة. كذلك، يلفت إلى انكبابه على تحضير معرض فردي، موضوعه المرأة الأمازيغية. ويحلم بأن يعانق فنّه العالمية، وأن يمثل المغرب ومدينته أزرو أحسن تمثيل.

دلالات
المساهمون