17 ابريل 2017
دفاعا عن الإنسانية
شفيق عنوري (المغرب)
لاقت المعاناة اليومية للشعب السوري تضامناً واسعاً في كل بلدان العالم، ومنها المغرب، في وقفات ومسيرات تطالب بإيجاد حل مستعجل لإيقاف سيلان الدماء في حلب. وانتشرت، في الجانب المقابل، عبارات من دون أن يستحي أصحابها، تحمل عنوان "الريف قبل حلب"، واكتفى آخرون بالصمت، من دون أن يفصح عن موقفه.
لا يمكن أن ينكر أحد أنّ سكان منطقة الريف يعانون من التهميش الممنهج، شأن باقي المناطق المنسية في المغرب؛ الشرق والأطلس. لكن، في الوقت نفسه، لا يمكن أن ينكر عاقل، يحمل في قلبه ذرة من الإنسانية، أنّ معاناة سكان حلب تفوق بكثير ما يعانيه الناس في المغرب، فهناك أناس يموتون يومياً، وفتيات تغتصبن، ومنهن من يلقين أنفسهن إلى الموت تفادياً لانتهاك شرفهن، مع تيقننا بأنّ مشكلات المغاربة جزء لا يمكن تجزيئه من الهم اليومي للمستضعفين في كل مكان، والوقوف بجانب أيّ إنسان يطاله الظلم في العالم. هذا ما علّمنا إيّاه ديننا الذي جعل كرامة الإنسان من أولى أولوياته.
يبقى عامل العرق ذا فعالية قصوى في مثل هذه القضايا، لكن الشخص الواعي، كيفما كان هذا الوعي، ومهما اختلفت خلفياته ومنطلقاته، إسلامياً، أو يسارياً، أو علمانياً.. يكفي أن يعرف الشخص أنّ هناك ظالمون ومظلومون لن يتعاملوا بهذا المنطق مع الظلم الذي يمارسه أيّ طاغية مستبد عبر العالم تجاه أي إنسان.
للجانب الوطني كذلك تأثير مهم، فهناك من يهتم بكل القضايا الوطنية، ويعطي مواقف مبدئية، وترفع له القبعة لذلك. لكن، حين يتعلّق الأمر بقضايا الشعوب التوّاقة للانعتاق والتحرّر، وخصوصاً مصر، العراق، اليمن، سورية، نجده يسكت عنها من دون إعطاء أدنى موقف مندّد بالجرائم التي ترتكبها تلك الأنظمة في حق شعوبها.
من الأزمات المستفحلة في بعض الذوات في أوطاننا الحبيبة، عامل العرق، وعامل القومية، وللغرب يد في تكريسهما بإشعال نيرانهما بين كل الأطياف، العرب والأمازيغ في شمال إفريقيا، والعرب والأكراد في العراق والشام...إلخ، على العموم، ليس هذا موضوعنا الرئيسي، وإنّما ما أحاول إيصاله أنّ معاناة الشعوب في كلّ البقاع، وفي العالم الثالث، حيث يعشّش الظلم، هو هم كل إنسان ما يزال على فطرته التي ترفض الظلم وتميل إلى المظلومين، وتدافع عنهم، مهما اختلفت الآراء والألوان والأعراق والديانات، ولن تمنعهم من ذلك، لا قومية ولا عرقية.
لا يكفي أبداً الإفصاح عن القيم والأخلاق، وإعلانها، بل يجب أن ترى مرأى العين، وأن تجسّد في الأفعال، فلا يمكن أن تقبل عبارة "هل رأيتم شخصاً من الشرق الأوسط يتضامن مع الريف"، فلا وجه للمقارنة بين حلب والريف، وإلا فلماذا لا نقيس ذلك على تضامن أصحاب هذه العبارات مع ضحايا نيس و"شارلي إيبدو" وأورلاندو، أم أنّ هذه الأحداث أولى من الريف، وهذا حال من تضامن مع ضحايا الأحداث الأخيرة، والتزم الصمت عما يحدث في حلب.
طبعاً أتحدث بمنطقهم، أما من حيث المبدأ فكل أعمال العنف مرفوضة تماماً. لا أدافع عن أحد، لكني أتحدث بشكل موضوعي دفاعاً عن الإنسانية، فقد كنت من المتضامنين مع ابن الحسيمة محسن فكري، والذي هو شهيد كلّ المغاربة، قولا، في مقال لي نشر في صحيفة العربي الجديد الدولية، تحت عنوان "حادث عابر أم سياسة ممنهجة؟". وفعلاً، في الأشكال الاحتجاجية، لن أتوانى عن مناصرة أي مظلوم في أي مكان في العالم مهما اختلفت معه.
الحديث عن القيم، وعن حقوق الإنسان، لا يساوي شيئاً، إن لم تترسخ الأخيرة في الذوات، وإن لم تكن قناعات يؤمن بها أصحابها، لا أقنعة يرتديها من يشاء ومتى شاء، ليظهر بصورة لافتة فوق خشبة المسرح السياسي أو المجتمعي.
لا يمكن أن ينكر أحد أنّ سكان منطقة الريف يعانون من التهميش الممنهج، شأن باقي المناطق المنسية في المغرب؛ الشرق والأطلس. لكن، في الوقت نفسه، لا يمكن أن ينكر عاقل، يحمل في قلبه ذرة من الإنسانية، أنّ معاناة سكان حلب تفوق بكثير ما يعانيه الناس في المغرب، فهناك أناس يموتون يومياً، وفتيات تغتصبن، ومنهن من يلقين أنفسهن إلى الموت تفادياً لانتهاك شرفهن، مع تيقننا بأنّ مشكلات المغاربة جزء لا يمكن تجزيئه من الهم اليومي للمستضعفين في كل مكان، والوقوف بجانب أيّ إنسان يطاله الظلم في العالم. هذا ما علّمنا إيّاه ديننا الذي جعل كرامة الإنسان من أولى أولوياته.
يبقى عامل العرق ذا فعالية قصوى في مثل هذه القضايا، لكن الشخص الواعي، كيفما كان هذا الوعي، ومهما اختلفت خلفياته ومنطلقاته، إسلامياً، أو يسارياً، أو علمانياً.. يكفي أن يعرف الشخص أنّ هناك ظالمون ومظلومون لن يتعاملوا بهذا المنطق مع الظلم الذي يمارسه أيّ طاغية مستبد عبر العالم تجاه أي إنسان.
للجانب الوطني كذلك تأثير مهم، فهناك من يهتم بكل القضايا الوطنية، ويعطي مواقف مبدئية، وترفع له القبعة لذلك. لكن، حين يتعلّق الأمر بقضايا الشعوب التوّاقة للانعتاق والتحرّر، وخصوصاً مصر، العراق، اليمن، سورية، نجده يسكت عنها من دون إعطاء أدنى موقف مندّد بالجرائم التي ترتكبها تلك الأنظمة في حق شعوبها.
من الأزمات المستفحلة في بعض الذوات في أوطاننا الحبيبة، عامل العرق، وعامل القومية، وللغرب يد في تكريسهما بإشعال نيرانهما بين كل الأطياف، العرب والأمازيغ في شمال إفريقيا، والعرب والأكراد في العراق والشام...إلخ، على العموم، ليس هذا موضوعنا الرئيسي، وإنّما ما أحاول إيصاله أنّ معاناة الشعوب في كلّ البقاع، وفي العالم الثالث، حيث يعشّش الظلم، هو هم كل إنسان ما يزال على فطرته التي ترفض الظلم وتميل إلى المظلومين، وتدافع عنهم، مهما اختلفت الآراء والألوان والأعراق والديانات، ولن تمنعهم من ذلك، لا قومية ولا عرقية.
لا يكفي أبداً الإفصاح عن القيم والأخلاق، وإعلانها، بل يجب أن ترى مرأى العين، وأن تجسّد في الأفعال، فلا يمكن أن تقبل عبارة "هل رأيتم شخصاً من الشرق الأوسط يتضامن مع الريف"، فلا وجه للمقارنة بين حلب والريف، وإلا فلماذا لا نقيس ذلك على تضامن أصحاب هذه العبارات مع ضحايا نيس و"شارلي إيبدو" وأورلاندو، أم أنّ هذه الأحداث أولى من الريف، وهذا حال من تضامن مع ضحايا الأحداث الأخيرة، والتزم الصمت عما يحدث في حلب.
طبعاً أتحدث بمنطقهم، أما من حيث المبدأ فكل أعمال العنف مرفوضة تماماً. لا أدافع عن أحد، لكني أتحدث بشكل موضوعي دفاعاً عن الإنسانية، فقد كنت من المتضامنين مع ابن الحسيمة محسن فكري، والذي هو شهيد كلّ المغاربة، قولا، في مقال لي نشر في صحيفة العربي الجديد الدولية، تحت عنوان "حادث عابر أم سياسة ممنهجة؟". وفعلاً، في الأشكال الاحتجاجية، لن أتوانى عن مناصرة أي مظلوم في أي مكان في العالم مهما اختلفت معه.
الحديث عن القيم، وعن حقوق الإنسان، لا يساوي شيئاً، إن لم تترسخ الأخيرة في الذوات، وإن لم تكن قناعات يؤمن بها أصحابها، لا أقنعة يرتديها من يشاء ومتى شاء، ليظهر بصورة لافتة فوق خشبة المسرح السياسي أو المجتمعي.
مقالات أخرى
24 مارس 2017
07 مارس 2017
16 يناير 2017