خالد بوهند: النُخب الجزائرية زمن الاستعمار الفرنسي

خالد بوهند: النُخب الجزائرية زمن الاستعمار الفرنسي

11 سبتمبر 2020
(رسم يصوّر استيلاء الاستعمار الفرنسية على مدينة معسكر الجزائرية، Getty)
+ الخط -

صدر حديثاً عن "سلسلة أطروحات الدكتوراه"، في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "النخب الجزائرية: 1892 - 1942" للباحث والأكاديمي الجزائري خالد بوهند، وهو دراسة عن النُخب الجزائرية خلال حقبة الاستعمار الفرنسي ما بين عاميْ 1892 و1942.

يضع مؤلف الكتاب هذه النخب في صنفين، ويَذكُر أن الصنف الأول يتمثّل بالنخب الجزائرية التقليدية، لأنها كانت موجودة حتى ما قبل الاحتلال الفرنسي، واستمرت على الأقل خلال الحقبة المحددة لهذا الكتاب، وشملت برجوازية المدينة قضاةً، ومفتين، وأئمة، وتجارًا، وحرفيين - وكانوا أصحاب كلمة مسموعة - والأعيان، إضافة إلى أرستقراطيي الريف، وهم الأشراف: الأجواد أو نبلاء السيف، والمرابطون أو شيوخ الزوايا، يضاف إليهم القيّاد، والآغاوات، والباشاوات، والمحاربون الجزائريون القدامى في صفوف الجيش الفرنسي. أمّا الصنف الثاني، فهو يتمثّل بالنخب الجزائرية الجديدة التي ظهرت خلال حقبة الاستعمار الفرنسي.

يدرس البرجوازية في المدن التي كانت تتشكل من أعيان الحضر (العرب) والأتراك

يتألف الكتاب من أربعة فصول في قسمين. في القسم الأول، "النخب الجزائرية التقليدية (1830 - 1942)"، فصلان؛ أولهما بعنوان "البرجوازية والأرستقراطية (1830 - 1900)"، وفيه يتناول المؤلف الفترة الممتدة بين عامَي 1830 و1900؛ ذلك أنه من غير الممكن فهم ما سيأتي لاحقًا إلا من خلال العودة إلى الأصول، لدراسة حالة النخب الجزائرية آنذاك قبل أن يتدخل الاحتلال في تغيير جزء كبير من معالمها. ويحاول المؤلف دراسة البرجوازية في المدن التي كانت تتشكل من أعيان الحضر (العرب) والكراغلة (أحفاد الأتراك العثمانيين)، ودوريها السياسي والثقافي خلال تلك المرحلة، ومصيرها بعد الاحتلال الفرنسي. كما يتناول المؤلف حالة الأرستقراطية في الريف الجزائري، وهي التي شملت قبائل المخزن والمرابطين الأشراف، ومواقفها من الاحتلال، ومصيرها.

في الفصل الثاني "صيرورة النخب الجزائرية التقليدية (1900 - 1942)"، تتبع بوهند صيرورة النخب التقليدية وتطورها إبان الاحتلال الفرنسي خلال الفترة 1900 - 1942، وعالج موضوع البرجوازية الجزائرية التقليدية، ومعها البرجوازية الحضرية الجديدة التي تكونت بسبب النظام الرأسمالي في الجزائر. كما تناول المؤلف البرجوازية العقارية في الريف، وهي أيضًا من تبعات ذلك النظام الاقتصادي المستجد على الجزائر. كما عالج، بالدراسة والتحليل، باقي النخب الجزائرية التقليدية من أطر دينية رسمية عاملة تحت سلطة الاحتلال، بعد ضم كل ما له علاقة بالدين الإسلامي من محاكم ومساجد وأوقاف، ومن أطر دينية غير رسمية مثّلها شيوخ الزوايا والمقاديم والطُلبة، مع الاهتمام بدوريها السياسي والثقافي أيضًا، كما تناولنا الأعوان الأهالي والمحاربين القدامى.

الصورة
غلاف الكتاب

 

يضم القسم الثاني، "النخب الجزائرية الجديدة (1892 - 1942)"، فصلين. وفي الفصل الثالث، "الشبان الجزائريون (1892 - 1942)"، يستخلص المؤلف أن موضوع الجزائريين ذوي الثقافة الفرنسية، أو بالأحرى الشبان الجزائريين، "ليس من الموضوعات الهينة، بدليل تضارب آراء المؤرخين الذين اشتغلوا في الموضوع نفسه". ويردُّ المؤلف سبب ذلك إلى إشكاليات بعض المفاهيم في حد ذاتها، وصعوبة توحيدها؛ إذ يقول: "ومن هنا، كانت لنا لهذا الفصل خطة ارتكزت بادئ ذي بدء على دراسة عامة للمثقفين الجزائريين بالفرنسية، من خلال التعريف بهم، ومن خلال البحث عن أصولهم الاجتماعية، والبيئة الحداثية التي نشأوا في كنفها وتأثروا بها، ممثَّلة في التعليم الفرنسي بأطواره المختلفة، والأيديولوجيات السياسية والأدب والفكر ... إلخ".

عالج بوهند في الفصل الرابع، "العلماء الإصلاحيون (1912 - 1942)"، موضوع العلماء الإصلاحيين بين عام 1912، وهو تاريخ ظهورهم، وعام 1942. وبحث في أصول هؤلاء العلماء، ثم نشأتهم، ولا سيما قضية تعليمهم في الجامعات العربية الإسلامية، والبيئة الثقافية والسياسية التي تأثروا بها. ثم تطرق إلى حركتهم من خلال منهاجهم الإصلاحي، وطرائقهم ووسائلهم الإصلاحية، وأهم القضايا التي اهتموا بها. كما بحث في موضوع انفصال بعض العلماء؛ على غرار الطيب العقبي، ومحمد السعيد الزاهري، ومحمد الهادي السنوسي.

أمّا في "الخاتمة"، فقد كتب المؤلف ما يلي: "ثمة معطيات كثيرة وردت في هذه الدراسة تفسر لنا الصعوبات التي واجهت النخب الجزائرية في احتلال مكانتها اللائقة، ومن ثم تأدية الدور المنوط بها على أكمل وجه؛ فمن وجهة النظر الماركسية، كان الأهالي الجزائريون، من عمال وفلاحين كادحين، في مواجهة مستمرة، وبلا رحمة، أمام استغلال البرجوازية الكولونيالية (الحضرية والريفية) وجشعها، وحليفتها البرجوازية الجزائرية (الأعوان الأهالي) أيضًا. ومن وجهة النظر الليبرالية، كان على النظام الاستعماري في الجزائر مسايرة قوانين الجمهورية الفرنسية التي تدعو إلى فصل الدين عن الدولة (قانون العلمنة في عام 1905)، لكن ذلك لم يسرِ على الشريعة الإسلامية؛ إذ أضحت المحاكم الإسلامية والمساجد والأوقاف ملكًا لفرنسا منذ عام 1830، الأمر الذي لم يسمح بحدوث تطورٍ إيجابي للأطر الجزائرية التي كانت تشرف على هذه المؤسسات الحكومية. أمّا المؤسسات الدينية الحرة، كالزوايا مثلًا، فإن القائمين عليها، من شيوخ ومقاديم، لم يسايروا التحولات الكبيرة التي عرفتها الجزائر وهي تحت الاحتلال، ما جعلهم محل نفور ونقد، خصوصًا من فئة الشباب المثقف بالفرنسية".

المساهمون