جبل "الشعانبي":حرب تونس ضد "الإرهاب" لم تحسم بعد

31 مارس 2014
قوات أمن تونسية تمارس مهامها في جبل الشعانبي
+ الخط -

تتواصلُ عمليات تمشيط جبل الشعانبي في محافظة القصرين غربي تونس في هدوء حذر، تتخلّله، أحياناً عمليات قصف لبعض المناطق التي يتحصّن بها المسلحون الذين تلقي السلطات باللائمة عليهم في القيام باغتيالات سياسية وتنفيذ هجمات "إرهابية" ضد قوات الجيش والأمن الوطنيين.

وحده الجبلُ الذي عرف عنه أنّه مأوى طبيعي لكلّ الفارين من العدالة، ظلّ شاهداً صامتاً على فصول حرب دامية تخوضها قوات الجيش والأمن ضدّ هذه الجماعات المتشددة التي حملت السلاح في وجه الدولة والمجتمع، من دون أن يطرف لهذا الجبل جفن، كأنّه يعلم يقيناً أن الحرب الدائرة داخله، لن تحسم قريباً.

على طول الطريق إلى محافظة القصرين، في الوسط الغربي من الجمهورية التونسية، تتمركز الدوريات المشتركة بين رجال الأمن والدرك والجيش، للمراقبة والتفتيش. الأمر نفسه يتكرّر عند مداخل المحافظة ومدنها الكبرى وقراها المتناثرة هنا وهناك. الكلّ يخضع للتفتيش قبل الدخول إلى المحافظة أو الخروج منها، والأمر يبدو متفهماً من السكان، فالحرب دائرة غير بعيد عن المحافظة، وتحديدا على بعد 23 كلم فقط، في جبل الشعانبي، أعلى نقطة في البلاد التونسية بارتفاع يناهز 1554 متراً عن سطح البحر، وعلى شريط حدودي مع الجزائر يبلغ طوله 220 كلم.

داخل المحافظة، وفي أغلب مدنها الكبرى، كسبيطلة وتالة وحيدرة وفريانة وغيرها، تمضي الحياة هادئة وروتينية، فالأهالي تكيّفوا مع العمليات التي تشنها القوات الأمنية والعسكرية في جبل الشعانبي، والجبال المتاخمة له، في إطار حملة تطهيرها من الجماعات المسلحة، بعد مقتل 8 جنود تونسيين والتنكيل بجثثهم في كمين نصبته مجموعة متحصّنة بالجبل في يوليو/ تموز الماضي.

لم تتسنّ لنا زيارة الجبل باعتباره منطقة عسكرية محظورة، لكن شهادات بعض الأمنيين الذين التقيناهم، بدت متحفّظة ومتفائلة في الوقت ذاته.

النقيب فاضل السايحي (من الدرك التونسي) قال لـ"العربي الجديد": "إنّ الاوضاع أصبحت تحت سيطرة القوات الأمنية والعسكرية حيث تتواصل عمليات التمشيط والقصف الدوري لبعض المغاور حين يشتبه في إيوائها للعصابات الإرهابية". مضيفاً: "بإمكاني الجزم أن الأوضاع أصبحت أكثر هدوءاً الآن، وليس ما يلفت الانتباه، خصوصاً في محيط المنطقة الممتدة من جبل الشعانبي إلى جبال السلوم وسمامة".

سيطرة فعلية أم تراجع تكتيكي؟

في هذا المستوى تختلف التقييمات حول حقيقة ما يحدث في الجبل. فإذا كانت التقارير الأمنية والإستخبارية تؤكّد نجاح القوات الأمنية والعسكرية في تشديد المراقبة على المراكز الحدودية، وتحديد المغاور التي يختبئ فيها المسلحون وحصرها في انتظار وقوعهم في قبضة الأمن، وقطع سبل التزود بالمؤونة والمياه والسلاح التي تصلهم من مناصرين يقطنون المدن،  إلا أن عدداً من الخبراء يحذرون من خطورة الانسياق وراء التفاؤل المفرط لأنّ الحرب الدائرة في الشعانبي أصعب من أن تحسم الآن.

فجبل الشعانبي، الذي يضمّ حوالى 300 مغارة لم تتمكن القوات الأمنية والعسكرية إلا من تشديد المراقبة على نحو 60 منها، وتاريخياً أرهق هذا الجبل القوات الاستعمارية الفرنسية، التي لم تنجح في ملاحقة المقاومين التونسيين والجزائريين المتحصنين به إبان حروب التحرير في كلا البلدين، حيث تكبّدت قواتها خسائر جسيمة عندما كانت تقترب من سفحه فقط.

يضاف إلى ذلك ما تسرّب من إفادات بعض الذين قبض عليهم حول هوية العناصر المتحصّنة بالشعانبي. فالمتحصنون بالجبل هم فسيفساء من جنسيات متعددة، وأغلبهم من الجزائريين المرتبطين بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، إلى جانب تونسيين ينتمون إلى تنظيمي "كتيبة عقبة بن نافع" و"أنصار الشريعة" وليبيين وماليين. وبالإضافة إلى مهاراتهم القتالية، فإن الخبرات التي اكتسبها هؤلاء في عدد من "الجبهات"، لاسيما في الجزائر وسوريا وشمال مالي، تجعل من العسير بمكان تعقبهم ورصد تحركاتهم على طول المناطق الحدودية.

في هذا الإطار يقول الدكتور نصر بن سلطانة، رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل، لـ"العربي الجديد"، إن الهدوء الذي يعرفه جبل الشعانبي يمكن تفسيره بالأمرين معاً: النجاح النسبي الذي حققه الأمن التونسي في قطع الامدادات عن هذه الجماعات المسلحة وإجبار أفرادها على التمركز في الجبل، خصوصاً بعد تصفية عدد من قادتها في عدد من المحافظات كتونس العاصمة وجندوبة والمنستير.

 والسبب الثاني الذي يورده بن سلطانة، هو أن هذه الجماعات تسعى الآن إلى تغيير تكتيكاتها بعد الخسائر التي تكبدتها، "ولا أعتقد أنّها ستجازف بالقيام بعمليات نوعية في هذا الوقت، بل ستنكبّ على القيام بهيكلة ضرورية لصفوفها وبرمجة خططها قبل ان تستأنف نشاطاتها".

 

صراع الجهاديين الجزائري- التونسي

حالة الهدوء الظاهري التي تكسو الجبل بحلّة من الغموض، لا يمكن أن تنسف "فرضية" وجود صراع على زعامة "إمارة الشعانبي" بين الجهاديين الجزائريين والتونسيين. فبعد اختفاء ابو عياض، زعيم تنظيم "أنصار الشريعة"، عن المشهد "الجهادي" التونسي (بعض المصادر تؤكد القبض عليه في ليبيا من طرف القوات الأميركية)، تمّ تداول اسم خالد الشايب المعروف باسم «لقمان أبو صخر»، كـ"أمير"  على "إمارة" الشعانبي. ويعدّ لقمان أبو صخر أحد العناصر القيادية في كتيبة "أبو الفدا" التي فر البعض من عناصرها إلى المناطق الجبلية الحدودية بين تونس والجزائر.

وسبق لوزارة الداخلية التونسية نشر صورة "لقمان أبو صخر" عبر وسائل الإعلام المحلية، ودعت التونسيين إلى الإدلاء بكل المعلومات المتوفرة لديهم عن هذا المطلوب للعدالة في تونس والجزائر. وقالت الوزارة في بيان سابق لها بأن العنصر المتسلل إلى التراب التونسي، وتحديداً إلى جبل الشعانبي "خطير وهو جزائري الجنسية مطلوب في عدة قضايا إرهابية وفي حوزته سلاح".

في هذا المجال يؤكد النقيب فاضل السايحي لـ"العربي الجديد" أنّه: "لا معلومات مؤكدة عن تواجد هذا الإرهابي في الشعانبي، بل الجزم بوجوده أمرٌ غير واقعي لغياب الأدلة،  كما هو  القول بوجود صراع بين الفصائل الجهادية على "إمارة" الشعانبي.

هذا الامر يتعارض مع ما صرّح به الدكتور نصر بن سلطانة الذي يؤكد أن المعلومات التي نشرتها وزارة الداخلية صحيحة، مضيفاً: "الأخطر من كلّ ذلك انّ العناصر الارهابية المتحصنة بالجبل دخلت منذ مدة صراعاً مفتوحاً، حسب المعلومات المتوفرة لنا، من اجل الإمارة. حيث توجد محاولة لتنصيب "أمير" جزائري على المجموعة قد يكون لقمان ابو صخر أو غيره في ظل سعي إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لموقعة نفسه في تونس".

الحرب لم تحسم بعد

على الرغم من المعنويات المرتفعة، فإنّ الحذر يظلّ سيد الموقف في محافظة القصرين. فانسحاب العناصر الجهادية إلى الجبل وعدم مجازفتها بالنزول، بعد الضربات الكبرى التي تلقتها في عدد من المحافظات، لا يعني هزيمتها. فالحرب لم تحسم بعد، حسب التقارير الامنية وشهادات المحللين، لأن اختيار جبل الشعانبي قاعدة خلفية لتحركات العناصر الجهادية لم يأت من فراغ، لطبيعة المنطقة من جهة، ولأهميتها الاستراتيجية في تكتيكات هذه الجماعات التي تضمّ خلايا نائمة متوزعة على كل تراب الجمهورية لا تزال المساعي حثيثة لكشفها.

 وهنا أيضاً، سيقف جيل الشعانبي وحدهُ شاهداً صامتاً على فصل آت من هذه الحرب التي تخوضها تونس ضدّ الجماعات الجهادية المسلحة، لأنه يعلم يقيناً أن الحرب الدائرة تحت سفحه وفي مغاوره، لن يكتب لها الحسم قريباً.