تونس: الحريات والحقوق في مهبّ "مكافحة الإرهاب" اليوم

12 ابريل 2015
الشعب التونسي عانى طويلاً من تسلّط الأمنيين (ناصر طلال/الأناضول)
+ الخط -
تطرح مسألة "الحرب على الإرهاب" في تونس جملة من المعادلات الصعبة، ومخاوف من السقوط في مربع "الحدّ من حرية التعبير"، والتراجع عن مكاسب قدمتها ثورة العام 2010، للإعلام والمجتمع المدني وباقي المواطنين، تتيح لهم مجال نقد المؤسسات الأمنية والعسكرية، بعدما كانت قبل الثورة فوق القانون، ومنزّهة عن المساءلة و"مقدّسة" وممنوعة من الانتقاد. 

أمام مجلس نواب الشعب، اليوم الأحد، مناقشات معمّقة لقانوني "مكافحة الإرهاب" و"زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح"، الذي صادق عليه مجلس الوزراء، يوم الأربعاء. وعلى الرغم من أن الغاية من القانونين "تسهيل عمل المؤسستين الأمنية والعسكرية لمقاومة الإرهاب"، إلا أن المجلس أمام تحدٍّ كبير، يتجلّى في "ضمان عدم المساس بحقوق الإنسان وحرية التعبير".

ويهدف مشروع "زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح"، إلى "تعزيز الآليات القانونية لحماية قوات الأمن الداخلي، والقوات المسلحة العسكرية، وأعوان الديوانة (الشرطة)، حاملي السلاح، بما يساعدها على القيام بدورها في ضمان المحافظة على الأمن والنظام العام وحماية الأفراد والمؤسسات والممتلكات وإنفاذ القانون".

ومع أن مشروع القانون لحظ انصياع العناصر الأمنية لـ"المعايير الواردة ضمن المواثيق الدولية والمبادئ الأساسية المعتمدة من قبل منظمة الأمم المتحدة، في مجال قوات الأمن الداخلي والقوات العسكرية المسلحة وأعوان الديوانة حاملي السلاح"، إلا أنها لم تُزل الشكوك من المتوجسين.

اقرأ أيضاً: عبد الرحمن اليوسفي لـ"العربي الجديد": انتظرت الربيع العربي طويلاً 

في السياق، أكد نائب رئيس "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، مسعود الرمضاني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "مع توفير الحماية اللازمة للآمنين، ومع مشروع قانون يدافع عن الأمنيين، في ظلّ تنامي الظاهرة الإرهابية التي راح ضحيتها الكثير من العناصر الأمنية". كما لفت إلى "غياب الحماية الضرورية للعناصر الأمنية في الأحداث الأخيرة، كما تتوقف أجورهم بعد وفاتهم في عمليات إرهابية، ولا تجد عائلاتهم كفيلاً لها. وهي مسائل تستدعي المراجعة".

لكن رمضاني أبدى خشيته من "إمكانية استغلال هذا المشروع من البعض، ليُصبحوا فوق القانون، ما ينمّي التجاوزات". وذكّر بأن "الشعب التونسي عانى طويلاً من الديكتاتورية ومن تسلّط الأمنيين، وحتى أن القضاء لا يسانده ولو لجأ إليه". وأشار إلى أنهم "كرابطة اكتوينا سابقاً بالتجاوزات التي لحقت بنا، ولذلك لدينا بعض التحفظات حول هذا القانون".

وينصّ المشروع الجديد على أن "الحماية تشمل إلى جانب عون قوات الأمن الداخلي أو العسكري أو الديواني (الجمركي)، القرين (الزوجة) والأصول (الأبناء) والفروع (أفراد العائلة مثل الإخوة) والأشخاص الذين هم في كفالته قانوناً".

ويجرّم الاعتداء على "أسرار الأمن الوطني"، باعتباره "اعتداء على المؤسسة الأمنية والمصالح العليا للدولة والوطن"، في حال أُتلفت مستنداتها أو اختُلست أموالها أو استُولي عليها أو إفشائها أو تغييرها بأي وسيلة كانت، على غرار تجريم الاعتداء على "أسرار الدفاع الوطني" المنصوص عليه في المجلة الجزائية.

كما يجرّم القانون "الاعتداءات على قوات الأمن الداخلي، باعتبارها هيئة رسمية"، ومن هذه الاعتداءات "تحقير" هذه القوات بهدف "المسّ من كرامتها وسمعتها أو تحطيم معنوياتها، قصد الإضرار بالأمن العام"، على غرار تجريم "تحقير" الجيش الوطني و"المس من كرامته"، المنصوص عليه في مجلة "المرافعات والعقوبات العسكرية".

وتحمل المفردات الواردة في هذه الفقرة مجالاً واسعاً للتأويل، وهي التي تُشكّل بالأساس مخاوف الحقوقيين والإعلاميين التونسيين، خصوصاً أن عدداً من المحاكمات الأخيرة تمّت تحت هذا المبدأ، تحديداً أمام المحاكم العسكرية. ويطرح هذا الموضوع سؤالاً جوهرياً حول الفرق الخفي، تقريباً، بين النقد والتحقير أو المساس بالمؤسستين الأمنية والعسكرية.

وينصّ المشروع أيضاً على "منع تعطيل السير العادي للمصالح الأمنية أو العسكرية أو الديوانية، بقصد الإضرار بالأمن العام". كما ورد فيه بند "منع حرق أو اتلاف أو هدم المقرات أو مخازن الأسلحة أو العربات أو الآليات البرية أو البحرية أو الجوية، أو الاستيلاء على التجهيزات أو الأسلحة أو الذخيرة، أو على ملفات أو أشياء أخرى بعهدة قوات الأمن الداخلي، بغرض الإضرار بالأمن العام أو الاعتداء على أماكن الاحتفاظ أو الإيقاف أو السجن، لتسهيل فرار محتفظ به أو موقوف أو سجين".

كما ينصّ على اعتماد "التدرّج في تشديد العقوبات، بما يتناسب وخطورة نتائج الاعتداء، إلى جانب إقرار تكفّل الدولة بجبر الأضرار المادية اللاحقة، بممتلكات عناصر قوات الأمن الداخلي أو العسكري أو الديواني أو أحد ذويه، نتيجة الاعتداء عليها، قصد التأثير على سلوك العون أو العسكري، في ممارسته لوظيفته أو في القيام بمهمته أو للتشفي منه، مع حلول الدولة محله لاسترجاع هذه التعويضات من مرتكبي الاعتداء".

وعبّرت الأمينة العامة لـ"النقابة العامة لموظفي السجون والإصلاح"، ألفة العياري، لـ"العربي الجديد"، عن أملها في أن "يتم إشراك النقابة في المناقشات لتقديم مقترحاتهم في هذا الصدد". وكشفت أن لديهم مقترحات مدعّمة بالوثائق والملفات، "لإقناع النواب بضرورة حماية الأمنيين، بتجريم الاعتداءات عليهم". وأوضحت أنّ "رجل الأمن بات مهدداً بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة، سواء في العمل أو في بيته، فقد تلقّت والدة أحد الأمنيين رسالة في أحد الأسواق مكتوبة بالدم وتتوعّد بتصفية ابنها".

وقالت إنّ "كثرة الحوادث قد تحيل الأمني، الذي يعتقد أنه يقوم بواجبه، للمثول أمام القضاء، ومثال ذلك حادثة القصرين التي قُتلت فيها فتاتان، بعد أن أطلق أعوان الأمن الرصاص عليهما لأنهما لم تمثلا لإشارات التوقف، كما يفرض القانون". وكشفت العياري أن "الأمنيين في السجون يتعرّضون إلى اعتداءات لفظية، وتهديدات من قبل الإرهابيين المسجونين"، مؤكدة أن "من حق رجل الأمن الشعور بالأمن وبأن حقوقه مكفولة". ونددت بـ"وقوف البعض ضد القانون بغرض حماية حقوق الإنسان والحريات، فحياة الأمني وعائلته مهددة، ولا بد من ضمان كرامته".

ويُتوقع أن تشهد مناقشة هذا المشروع في مجلس نواب الشعب جدلاً كبيراً، تماماً كما حصل إبان مناقشة قانون "مكافحة الإرهاب" أمام المجلس التأسيسي، الذي لم يوفّق في إيجاد المعادلة التي تكفل حقوق الإنسان من ناحية ومكافحة الإرهاب من ناحية أخرى، وأحال القانون برمته إلى مجلس نواب الشعب الحالي، الذي يبدو أنه واقع في المأزق نفسه.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يدعو إلى تجريم "تمجيد النظام السابق"

دلالات