تونس: الإرهاب يعمق خلافات "النهضة" و"الجبهة"

31 مارس 2015
من مسيرة السلام في تونس (العربي الجديد)
+ الخط -

في الوقت الذي جاء فيه العالم إلى تونس للتضامن مع حكومتها وشعبها ضدّ الإرهاب، كان الاشتباك يحتدم بين بعض الأحزاب، ويتواصل "التراشق" بين اليسار والإسلاميين، على الرغم من أزيز الرصاص الذي كان لا يزال يدوي في عدد من المناطق في البلاد.

اقرأ أيضاً (أجواء مسيرة تونس: العالم باردو و"الإرهاب على برّة")

لقد قررت "الجبهة الشعبية" مقاطعة المسيرة الوطنية لمناهضة الإرهاب التي شارك فيها عدد من رؤساء الدول والشخصيات الأجنبية، إلى جانب عشرات الآلاف من التونسيين، والتي نُظمت في تونس يوم الأحد الماضي. وكانت حجة "الجبهة" لتبرير مقاطعتها، رفضها لما وصفته بالتسوية بين الضحية والجلاد. المقصود بالضحية هما شكري بلعيد ومحمد البراهمي، أما المقصود بالجلاد من وجهة نظر قادة "الجبهة" وأنصارها فهي حركة "النهضة"، التي يصرون على اتهامها بالوقوف وراء اغتيال الفقيدين ودعم الإرهاب.

وبما أن حركة "النهضة"، التي تعتبر نفسها معنية بمواجهة الارهاب، الذي أصبح يهدد بإسقاط السقف على الجميع على حدّ تعبير زعيمها راشد الغنوشي، قد قررت المشاركة بقوة في المسيرة؛ وهو السبب الذي دفع "الجبهة"، بدورها، إلى التصعيد، واتخاذ موقف حاسم وراديكالي بمقاطعة المسيرة.

لكن هذا الموقف الراديكالي لـ"الجبهة"، لم يلق قبولاً من شريحة واسعة من المجتمع التونسي. وفي هذا السياق، يقول سائق سيارة أجرة لـ"العربي الجديد"، إنّ "تونس اليوم في أشد الحاجة لوحدة وطنية شاملة وقوية ضدّ الجماعات الارهابية. الظروف الراهنة لا تسمح بتصفية الحساب بين الخصوم السياسيين".
هذا الرأي شائع بين كثير من التونسيين. ويظهر بشكل جلي في صفوف الأحزاب الكبرى في البلاد. وهو ما يفسر التوافق الحاصل بين حزب "نداء تونس" وحركة "النهضة"، الى  جانب بقية الأحزاب، سواء المشاركة في الائتلاف الحاكم أو المعارض له. يجمع هؤلاء، باستثناء "الجبهة الشعبية" ونسبياً حزب المسار اليساري، على أن مواجهة الخطر الداهم يجب أن يقدم على بقية الخلافات المذهبية والسياسية مهما  كانت حادة ومعقدة.

وتحاول الجماعات الإرهابية استغلال الصراع المفتوح بين مختلف الأحزاب، خصوصاً بين اليسار  والإسلاميين، لإضعاف ثقة التونسيين بالأحزاب والديمقراطية. وتتخذ من ذلك، وغيرها من التبريرات المفتعلة لتقديم نفسها كبديل للحكم في تونس. وإن كانت هذه التنظيمات ما تزال معزولة وضعيفة رغم استمرار قدرتها على ردّ الفعل وتحقيق بعض الاختراقات من حين لآخر، غير أنّ ما يخشاه كثيرون أن تتمكن هذه التنظيمات من أن يصبح لها حواضن اجتماعية داخل المناطق التي تتحصن فيها بالجبال.

وقد وفرت عملية الهجوم على متحف باردو فرصة هامة لإحكام الحصار الشعبي والأمني حول هذه الجماعات متعددة الجنسيات. وكان ذلك في مقدّمة الأهداف التي نظمت من أجلها المسيرة الكبرى لمناهضة الإرهاب. وعلى الرغم من استمرار الصراع بين اليسار والإسلاميين، وهو مرشح كي يستمر طويلاً نظراً لطابعه الإيديولوجي، غير أن ذلك لن يؤثر كثيراً على جبهة الحرب المفتوحة ضدّ الإرهاب. وعندما تقرر أسرة أحد الذين نفذا الهجوم على المتحف عدم تسلم جثته وتتبرأ منه، فذلك دليل على أن الإرهاب لا يزال فاقداً للشرعية لدى عموم التونسين، رغم المساعدات التي تتلقاها هذه الجماعات من عدد قليل من المواطنين لدوافع متعددة من أهمها ما تدفعه من مال مقابل بعض الخدمات.

ما يخشى في تونس هو أن يسود اعتقاد في صفوف التونسيين أن أحزابهم قد لا تكون في مستوى الحرب الدائرة ضدّ الإرهاب، ما من شأنه أن يجعل منها معركة بدون غطاء سياسي.
المساهمون