تقارب تركي أميركي إيطالي بشأن ليبيا... موازنة للكفة السياسية بعد العسكرية

20 يونيو 2020
مساع للحد من التدخل المصري (فتيح اكتاس/ الأناضول)
+ الخط -
عاد النشاط السياسي والدبلوماسي في الملف الليبي بعد الجمود الميداني عند تخوم مدينة سرت، وسط البلاد، وبرز أول ملامحه في السعي التركي لبناء مقاربة سياسية مع إيطاليا بشأن ليبيا تتجه إلى التناغم مع الموقف الأميركي.

ويبدو من خلال الحراك السياسي لتركيا، الحليف الأبرز لحكومة الوفاق، أن الملف الليبي تجاوز دائرة تأثير حلفاء اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، العرب (الإمارات ومصر)، حيث حمل اللقاء بين وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، ونظيره الإيطالي، لويجي دي مايو، أمس، تغييرا واضحا في الموقف الإيطالي. وقال جاووش أوغلو إن أنقرة ستعمل مع روما لإرساء سلام مستقر وعملية سياسية تفضي إلى نتائج في ليبيا، داعياً كذلك الحلفاء في حلف شمال الأطلسي إلى التعاون في شرق البحر المتوسط.

ويأتي سعي تركيا لبناء تحالف مع إيطاليا، ذات الثقل الكبير في الملف الليبي، لمواجهة الأصوات الأوروبية المنافسة، وعلى رأسها فرنسا التي ما تزال على موقفها الرافض للتقارب التركي مع طرابلس.

وتتضح الرغبة التركية في تأكيد جاووش أوغلو أن روما "لم تدعم الانقلابي حفتر مثل بقية دول الاتحاد الأوروبي"، وتأكيد الوزير الإيطالي رغبة بلاده في دعم الحل السياسي من خلال دعم جهود الأمم المتحدة لإحلال السلام في ليبيا، مشيرا إلى تقدير بلاده الجهود التركية لإنهاء الصراع في ليبيا.

ولفت دي مايو إلى رفض بلاده "وجود مرتزقة في ليبيا"، مطالبا بوقف نشاطهم في البلاد، وهو ما يتوافق مع الموقف الأميركي الرافض لاستمرار نشاط مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية للخدمات الأمنية التي تدعم مليشيات حفتر، ويتمركز عناصرها حاليا بمدينة سرت لوقف تقدم قوات الوفاق.

وفي هذا الصدد، أكد المتحدث الرسمي باسم غرفة عمليات تحرير سرت – الجفرة، الهادي دراه، استعداد قوات الحكومة لاستعادة مدينة سرت، مشيرا إلى استمرار وصول المزيد من التعزيزات لمحاور القتال في محيط المدينة.

وفيما أكد دراه في تصريحه لـ "العربي الجديد" أن القوات تنتظر تعليمات الحكومة لبدء عملية استرداد سرت من قبضة مليشيات حفتر، تحاول أطراف إقليمية الالتفاف على التقدم الميداني الذي حققته قوات الوفاق بتجميدها من خلال جر المشهد الليبي إلى ردهات وكواليس التعقيد السياسي.

وأعلنت وزارة خارجية حكومة الوفاق أن وزيرها، محمد سيالة، أبلغ رئيس المجلس التنفيذي لجامعة الدول العربية، يوسف بن علوي، رفض حكومة الوفاق دعوة مصر لعقد اجتماع وزاري للجامعة حول ليبيا.

ونقلت الوزارة، في بيان لها ليل الجمعة، أن سيالة أكد لبن علوي أن ليبيا هي المعنية بالاجتماع وأن القاهرة لم تلتزم بالقواعد الإجرائية في الدعوة للاجتماع.

وقال دبلوماسي ليبي رفيع لـ "العربي الجديد"، رفض الكشف عن هويته، إن الاجتماع الذي دعت إليه مصر يهدف إلى حشد التأييد العربي لمبادرتها السياسية التي أعلنها من جانب واحد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يوم السادس من الشهر الجاري، مشيرا إلى أن فشل الدعوة لم يكن بسبب رفض رئيس المجلس التنفيذي للجامعة العربية فقط، بل بسبب عدم تجاوب عدة دول عربية من بينها دول الاتحاد المغاربي.

وتتيح هذه المقاربة لإيطاليا العودة للساحة الليبية والمشاركة في قيادة الملف الليبي الذي تتنازعه أوروبيا مع فرنسا، بحسب المحلل السياسي الليبي، مروان ذويب.

بل يذهب ذويب في حديثه لــ"العربي الجديد" إلى أن التقارب التركي الإيطالي، كطرف يقابل استمرار دعم فرنسا وروسيا ودول عربية كمصر لخصوم حكومة الوفاق، تبدو أهميته في ظل عدم وجود موقف دولي موحد من الملف الليبي.

وأبرز ذويب أن أهمية التحالف التركي الإيطالي يتمثل في كونه "يتناغم مع الموقف الأميركي الرافض التدخل الروسي في ليبيا، خصوصا أن قادة واشنطن كثيرا ما صرحوا بثقتهم في إدارة روما الملف الليبي".

وعبر مسؤولون أميركيون، في عديد المرات، عن رفض بلادهم العدوان العسكري الذي كانت قد بدأته مليشيات حفتر على طرابلس في إبريل/ نيسان 2019، خصوصا مع وجود دعم روسي زاد من قلق واشنطن.

وبعد انهيار مليشيات حفتر وانسحابها من جنوب طرابلس وترهونة، ومحاولة القاهرة إنقاذ ما تبقى من مشروع حفتر بإعلان مبادرة سياسية، علق مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط والأدنى، ديفيد شينكر، بالقول إن المبادرة المصرية تتوفر على أجزاء مفيدة في الحل السياسي، لكنه أكد أن بلاده ترى أن العملية السلمية التي تقودها الأمم المتحدة "أكثر نجاعة وتضمن انخراط جميع الأطراف الليبية من أجل تحقيق تقدم واضح لوقف إطلاق النار واستئناف العملية السياسية"، في إشارة لرفض أميركي ضمني لمبادرة القاهرة.

وشدد شينكر، في إحاطة أدلى بها الجمعة، للصحافيين عبر الفيديو، على موقف بلاده الرافض الوجود الروسي في ليبيا، في ظل التقارير بشأن تدفق أسلحة روسية ومقاتلين من شركة "فاغنر" إلى مناطق في ليبيا رغم انتهاء العمليات العسكرية جنوب طرابلس، مشيرا إلى أن بلاده تبدي ارتياحا للتدخل التركي الذي تمكن من معادلة الكفة.

ويرى ذويب أن اتجاه تركيا لبناء حلف، يشير إليه تقاربها مع الموقف الإيطالي والأميركي، ويهدف إلى الحد من استمرار سعي مصر للتأثير على المسار السياسي للحل، مشيرا إلى تأكيد وزير الخارجية التركي على كون ابتعاد رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، عن حفتر "لا يكفي لقيادته لعملية سياسية أو المشاركة فيها". وأوضح أن مطالبة جاووش أوغلو بضرورة وجود شخصية أخرى تدعم الحل السياسي لا العسكري، تعد إشارة واضحة تذكر بمواقف عقيلة صالح الداعمة لحرب حفتر على العاصمة طرابلس.

تركيا تشترط انسحاب قوات حفتر من سرت
إلى ذلك، أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، اليوم السبت أن التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في ليبيا يتطلب انسحاب قوات حفتر من مدينة سرت الاستراتيجية.
واتهم قالن في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" فرنسا بـ "تعريض أمن" حلف شمال الأطلسي "للخطر" عبر دعم قوات حفتر في حروبه، مشدداً على أن "وقفا لإطلاق النار يجب أن يكون قابلا للاستمرار، ما يعني أن على الطرف الآخر، بقيادة حفتر ألا يكون في موقع يتيح له شن هجوم جديد على الحكومة الشرعية ساعة يشاء".
وأضاف "في المرحلة الراهنة، تعتبر (حكومة الوفاق في طرابلس) ونحن ندعمها في ذلك، أن على جميع الأطراف العودة الى مواقعها في عام 2015 حين تم توقيع اتفاق الصخيرات السياسي (في المغرب)، ما يعني أن على قوات حفتر أن تنسحب من سرت والجفرة".


وبخصوص الدعم الفرنسي للواء المتقاعد، قال قالن "في ليبيا، ندعم الحكومة الشرعية في حين تدعم الحكومة الفرنسية زعيم حرب غير شرعي وتعرض بذلك أمن حلف شمال الأطلسي للخطر (وكذلك) الأمن في المتوسط والأمن في شمال إفريقيا والاستقرار في ليبيا".

وتابع قائلا: "رغم كل ذلك، يستمر (المسؤولون الفرنسيون) في انتقادنا. لكننا نعمل مع الأطراف الشرعيين في حين تعمل فرنسا مع أطراف وعناصر غير شرعيين مع توجيه الاتهام إلينا. هذا لا معنى له".