تفاهمات روسية تركية حول سورية: تعزيز التعاون العسكري أولوية

11 مارس 2017
أكد بوتين عودة البلدين إلى الشراكة الحقيقية(الكسندر زمليانيشنكو/فرانس برس)
+ الخط -



كما كان متوقعاً، هيمن الملف السوري على المباحثات بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في موسكو، أمس الجمعة، لتبدو التصريحات الصادرة عنهما خلال المؤتمر الصحافي المشترك في أعقاب انتهاء اجتماع مجلس التعاون الروسي التركي، بمثابة رسم خارطة طريق لتعاونها السياسي والعسكري خلال المرحلة المقبلة في سورية، مع حرص واضح على إيلاء أهمية للتعاون العسكري والبناء على "الثقة المتبادلة" بين البلدين، وسط قناعة واضحة لدى موسكو وأنقرة أن تعاونهما، الذي لا يخلو من تباينات، قد سمح لهما بترسيخ دورهما كأبرز فاعلين دوليين وإقليميين في الملف السوري.
وبينما حرص الرئيس الروسي على تأكيد أن المباحثات مع أردوغان كانت "مثمرة ومفيدة ومفصلة"، أكد أن روسيا وتركيا "عادتا إلى سبيل الشراكة الحقيقية". كما شدد بوتين على عزم بلاده على استمرار الدفع بحوار سياسي مكثف بين البلدين على أعلى المستويات وتطويره، قبل أن يعيد تكرار لازمة ضرورة توحيد جهود المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب، تحديداً تنظيمي "داعش" و"جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً). كما أعاد بوتين التذكير أنه "تم التوصل، بفضل روسيا وتركيا، إلى نظام وقف إطلاق النار بين الحكومة والمعارضة في سورية بل إطلاق المفاوضات في أستانة"، مشيراً إلى أن بلاده تشعر بتفاؤل حذر إزاء فرص التوصل إلى اتفاق سلام في سورية. كما أشار إلى الاتفاق بين أنقرة وموسكو على "مواصلة التعاون النشيط لمحاربة الإرهابيين وخصوصاً تنظيم داعش، من خلال القيام بعمل مشترك عبر القنوات العسكرية والاستخباراتية".
من جهته، أكد الرئيس التركي أن أنقرة وموسكو تمكنتا من تجاوز "جميع الاستفزازات والمشاكل" الناجمة عن إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مشدداً على أن البلدين أكملا "عملية تطبيع العلاقات" خلال الاجتماع في موسكو أمس. وكان أردوغان شدد بعد انتهاء اجتماع مجلس التعاون الروسي التركي، على ضرورة بذل جهود روسية تركية مشتركة لوقف سفك الدماء في سورية.
لكنه في الوقت نفسه حرص على التأكيد على أهمية الاستمرار بتنسيق الجهود مع روسيا "من أجل التوصل لحل في سورية قائم على العدل". وفيما توقف عند أهمية مفاوضات أستانة، قائلاً إنها تؤدي دوراً مهماً في الطرق نحو التسوية في سورية، شدد أردوغان على أنه لا بد أن تعمل جميع الأطراف بجدية بما فيها النظام السوري لكي تؤدي محادثات جنيف لنتائج. وفي رسالة واضحة تعكس استمرار التباين بين تركيا وروسيا حول دور قوات سورية الديمقراطية في المعارك ضد تنظيم "داعش"، قال أردوغان إنه "لا يمكن القضاء على تنظيم إرهابي (أي داعش) من قبل تنظيمي إرهابي آخر"، في إشارة إلى قوات سورية الديمقراطية التي تصنفها أنقرة كتنظيم إرهابي.
ويكتسب اللقاء الذي جرى أمس بين أردوغان وبوتين أهمية، ليس فقط بسبب الرسائل التي حملها بل أيضاً بسبب توقيته، إذ يأتي قبل أيام من انعقاد مؤتمر أستانة في 14 و15 الحالي ومفاوضات جنيف في 23 منه، وسط ارتفاع منسوب التشاؤم من إمكانية تحقيق اختراق ما في هذين اللقاءين، وهو ما يعززه كلام فصائل المعارضة المسلحة بأنها لن تحضر لقاء أستانة ما لم يتم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، في ظل ما بدا واضحاً من استخدام النظام السوري للمباحثات السياسية كغطاء لاستمراره في سياسة إحراق الأراضي وتحقيق المزيد من التقدّم الميداني. في غضون ذلك، تستمر اللقاءات الدولية.


وأكد عضو وفد الفصائل إلى أستانة، ورئيس أركان الجيش الحر، العميد الركن أحمد بري، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الوفد لم يتلقَ حتى الآن، دعوة لحضور الجولة المقبلة من الاجتماعات". وأوضح أن "الفصائل تُجري اجتماعات محليّة لمناقشة الوضع الراهن، وتصعيد قصف النظام على أحياء دمشق وإدلب"، مشيراً إلى أن "الفصائل متفقة على عدم حضور اجتماعات أستانة إن لم يتوقف إطلاق النار بشكل كامل، من أجل مناقشة الخطوات التي تليها".
في غضون ذلك، كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يبحث في اتصال هاتفي أمس مع نظيره الكازاخي، خيرت عبد الرحمانوف، التحضيرات لاجتماع أستانة، فيما نقلت وكالة "انترفاكس" عن مصدر دبلوماسي، أن الطرف الأميركي تسلم دعوة للمشاركة في أستانة.
مقابل ذلك، يزداد المشهد السوري تعقيداً مع اقتراب التحضيرات لمعركة الرقة والخلافات الدولية على السيطرة على مدينة منبج. ودعا نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، في تصريح صحافي أمس، الولايات المتحدة وروسيا، للاختيار بين تركيا وحزب "الاتحاد الديمقراطي"، مضيفاً: "على الولايات المتحدة وروسيا أن تقررا، هل ستفضلان 3 إلى 5 آلاف مسلح من تنظيم الاتحاد الديمقراطي، على الدولة التركية ذات الـ80 مليون نسمة، وتتمتع بالاستقرار وتمتلك أكبر جيش في المنطقة؟". ودعا قورتولموش التحالف الدولي للحذر من تغيير التركيبة الديموغرافية للمدن، خلال العمليات العسكرية التي ستنفذها في سورية بشكل خاص.
مقابل ذلك، قالت "قوات سورية الديمقراطية" إن لديها "القوة الكافية" لانتزاع مدينة الرقة من تنظيم "داعش" بدعم من التحالف الدولي. وفي تماهٍ مع موقف هذه القوات، طالب النظام السوري الأمم المتحدة "بإلزام تركيا بسحب قواتها الغازية" للأراضي السورية، وفق ما وذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام.
في السياق، أفادت مصادر لـ"العربي الجديد" أن رتلاً من الآليات العسكرية الروسية دخل أمس إلى مدينة منبج بريف حلب الشرقي شمال سورية، مشيرة إلى أن الرتل يضم 15 آلية، ما بين مدرعة ومصفحة وناقلة جند، تحمل جنوداً وعتاداً مختلفاً.
في غضون ذلك، علمت "العربي الجديد" من مصادر عسكرية مطلعة أن فصائل الجيش الحر والفصائل الإسلامية المتحالفة معها كـ"أحرار الشام" و"فيلق الشام" في محافظة إدلب، تحشد قواتها باتجاه ريف حلب الغربي بدعم تركي. وأوضحت المصادر أن هذا الحشد قد يكون بهدف التحضير لفتح معركة في ريف حلب الغربي مع قوات النظام، وقد يكون بهدف الضغط على روسيا من أجل تمكين "درع الفرات" من دخول منبج.
من جهته أوضح المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الشامية" العميد محمد الأحمد، أن تركيا تفكر بالمشاركة في معركة الرقة من خلال حدودها باتجاه مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" في مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي. وقال الأحمد لـ"العربي الجديد" إنه "كان هناك اتفاق بين الأتراك والأميركيين على انسحاب قوات سورية الديمقراطية من مدينة منبج لكنه لم يُنفّذ، وأظهر التحالف العميق لسورية الديمقراطية والولايات المتحدة مع النظام السوري، ولا سيما من خلال الانسحاب من مناطق في منبج وتسليمها لقوات الأسد".