قبل أيام كان يوم ميلاد ابنتي الصغرى، توقفت كثيراً وفكرت هل نحتفل بهذا اليوم وكيف لنا ذلك وأبوها لم تكد تمر على وفاته ثلاثة أشهر ونصف الشهر، فكيف نحتفل ونضحك ونرقص وهو هناك وحيد؟
شعور عميق داخلي جعلني أفكر بطريقة أبيها الذي ما كان ليصمد أمام إصرار الصغيرة على الاحتفال وهي تقول "عايزة تورتة وشمع وبالونات وألبس فستان إليسا وجزمة إليسا" فتقمصت شخصيته ووافقت، وكانت ليلة جميلة حملت في طياتها فرحة لم نشعر بها منذ وقت طويل، فقد شعرت فعلياً بمحبة الأصدقاء ورغبتهم الصادقة في الاحتفال بصغيرتي.
لا أنكر أنني كنت أفكر في روح أبيها التي شعرت أنها ترفرف في المكان فقد كان محباً للسعادة باحثاً بحق عنها وتذكرت كلماته الأخيرة في مقاله الأخير (عما أريده من العالم قبل بلوغي الثلاثين) "وأريد، لو أن كل ما أريد، لا يزعج أحداً سواي. لا يؤذي غيري. لو أن الناس عموماً تنبسط، وتظل مبسوطة، لو أن السعادة متاحة للجميع".
ما هي السعادة؟!
ربما لا نستطيع تعريف هذه الكلمة التي نبحث عنها جميعاً، نضعها في جملنا المفيدة من دون معرفة معناها الدقيق. ونميل إلى كل ما يدخلنا في عالم الأحزان أكثر فيسكننا الحزن على قول أو فعل لأيام متتالية وربما سنوات فيما تغادرنا لحظات السعادة سريعاً وكأننا نأبى الاحتفاظ بها طويلاً.
الأديب الروسي ليو تولستوي وضع تعريفاً للسعادة من وجهة نظره حينما قال "السعادة أن يكون لديك ثلاثة أشياء، شيء تعمله وشيء تحبه وشيء تطمح إليه"، يبدو الأمر منطقياً، ولكن جميعنا لديه هذه الأشياء وقد لا نشعر جميعاً بالسعادة.
وهو القائل أيضاً "إننا نبحث عن السعادة غالباً وهي قريبة منّا، كما نبحث في كثير من الأحيان عن النظّارة وهي فوق أعيننا"، أميل إلى أن هذا القول هو المكمل للأول والشارح له في الوقت ذاته، فربما يلهينا البحث عن السعادة عن الاحتفال بانتصاراتنا الصغيرة وإعطائها حقها من البهجة والتقدير، وربما نحقق كل ما تطمح إليه وأكثر من دون أن ندرك ذلك وتقفز من حلم إلى آخر متناسين ما حققناه، فقبلة يطبعها طفلك صباحاً على جبينك تستحق منك ابتسامة تسكنك طوال اليوم، إنهاء يوم عمل بلا عوائق يستحق بهجة، الوصول لنهاية الأسبوع سالمين يحتاج احتفالاً من نوع خاص... تخيل كم من مرات السعادة التي حققناها ولم نعطها حقها.
على مدار سنوات، كنت متطرفة في تعريفي للسعادة، لدرجة أنني أقنعت نفسي وكثيرين أنني لست سعيدة بالمرة. وبعد كل إنجاز أحققه أبحث في جوانب النقص التي فاتتني قبل إنهائه وبدلا من الابتسامة العريضة والجملة الشهيرة التي نشاهدها في الأفلام الغربية "لقد فعلتها" أردد كلمات أخرى مثل "آه لو عاد الوقت لفعلتها بشكل أدق، لماذا فاتني هذا الأمر!" هذه الجمل في ظاهرها اهتمام بتفاصيل الأشياء ولكن باطنها يحمل ابتعاداً متعمداً عن الفرحة، فلماذا نعاقب أنفسنا بقسوة وكيف نرى الإنجاز ناقصاً دوماً متناسين أنه إنجاز؟!.
أنا مثلك وربما متشددة في تقديري للسعادة أكثر منك فأنا ابنة تلك الثقافة التي علمتنا عندما نضحك من قلوبنا أن نردد بعدها "خير اللهم اجعله خير، ياترى هايحصل ايه؟" وقد نحول فرحتنا بكاء خوفاً من مجهول يترصدنا لمجرد الابتسام وكأنه يحرم علينا الضحك، علمتنا أمهاتنا أيضاً أن الضحك يقلل من قيمة الإنسان وأن اتزانه في ثبات ملامح وجهه فاخترنا الحفاظ على القيمة وفقدنا البهجة التي هي قمة الإحساس بالسعادة.
لم أتخيل تلك البهجة التي صنعها الاحتفال بعيد مولد ابنتي الصغرى، وما زاد الفرحة أن جميع من حضروا غمرتهم تلك الفرحة أيضاً، ضحكوا من قلوبهم وصاحبتهم الفرحة إلى بيوتهم، هذه الليلة جعلتني أبدأ تغيير نظرتي للسعادة، فربما تحمل الأشياء الصغيرة بهجة لم نتوقعها، وبدلاً من البحث عن السعادة الكبرى المبهمة دعونا نحتفل بأشيائنا الصغيرة اليومية المبهجة.
(مصر)
شعور عميق داخلي جعلني أفكر بطريقة أبيها الذي ما كان ليصمد أمام إصرار الصغيرة على الاحتفال وهي تقول "عايزة تورتة وشمع وبالونات وألبس فستان إليسا وجزمة إليسا" فتقمصت شخصيته ووافقت، وكانت ليلة جميلة حملت في طياتها فرحة لم نشعر بها منذ وقت طويل، فقد شعرت فعلياً بمحبة الأصدقاء ورغبتهم الصادقة في الاحتفال بصغيرتي.
لا أنكر أنني كنت أفكر في روح أبيها التي شعرت أنها ترفرف في المكان فقد كان محباً للسعادة باحثاً بحق عنها وتذكرت كلماته الأخيرة في مقاله الأخير (عما أريده من العالم قبل بلوغي الثلاثين) "وأريد، لو أن كل ما أريد، لا يزعج أحداً سواي. لا يؤذي غيري. لو أن الناس عموماً تنبسط، وتظل مبسوطة، لو أن السعادة متاحة للجميع".
ما هي السعادة؟!
ربما لا نستطيع تعريف هذه الكلمة التي نبحث عنها جميعاً، نضعها في جملنا المفيدة من دون معرفة معناها الدقيق. ونميل إلى كل ما يدخلنا في عالم الأحزان أكثر فيسكننا الحزن على قول أو فعل لأيام متتالية وربما سنوات فيما تغادرنا لحظات السعادة سريعاً وكأننا نأبى الاحتفاظ بها طويلاً.
الأديب الروسي ليو تولستوي وضع تعريفاً للسعادة من وجهة نظره حينما قال "السعادة أن يكون لديك ثلاثة أشياء، شيء تعمله وشيء تحبه وشيء تطمح إليه"، يبدو الأمر منطقياً، ولكن جميعنا لديه هذه الأشياء وقد لا نشعر جميعاً بالسعادة.
وهو القائل أيضاً "إننا نبحث عن السعادة غالباً وهي قريبة منّا، كما نبحث في كثير من الأحيان عن النظّارة وهي فوق أعيننا"، أميل إلى أن هذا القول هو المكمل للأول والشارح له في الوقت ذاته، فربما يلهينا البحث عن السعادة عن الاحتفال بانتصاراتنا الصغيرة وإعطائها حقها من البهجة والتقدير، وربما نحقق كل ما تطمح إليه وأكثر من دون أن ندرك ذلك وتقفز من حلم إلى آخر متناسين ما حققناه، فقبلة يطبعها طفلك صباحاً على جبينك تستحق منك ابتسامة تسكنك طوال اليوم، إنهاء يوم عمل بلا عوائق يستحق بهجة، الوصول لنهاية الأسبوع سالمين يحتاج احتفالاً من نوع خاص... تخيل كم من مرات السعادة التي حققناها ولم نعطها حقها.
على مدار سنوات، كنت متطرفة في تعريفي للسعادة، لدرجة أنني أقنعت نفسي وكثيرين أنني لست سعيدة بالمرة. وبعد كل إنجاز أحققه أبحث في جوانب النقص التي فاتتني قبل إنهائه وبدلا من الابتسامة العريضة والجملة الشهيرة التي نشاهدها في الأفلام الغربية "لقد فعلتها" أردد كلمات أخرى مثل "آه لو عاد الوقت لفعلتها بشكل أدق، لماذا فاتني هذا الأمر!" هذه الجمل في ظاهرها اهتمام بتفاصيل الأشياء ولكن باطنها يحمل ابتعاداً متعمداً عن الفرحة، فلماذا نعاقب أنفسنا بقسوة وكيف نرى الإنجاز ناقصاً دوماً متناسين أنه إنجاز؟!.
أنا مثلك وربما متشددة في تقديري للسعادة أكثر منك فأنا ابنة تلك الثقافة التي علمتنا عندما نضحك من قلوبنا أن نردد بعدها "خير اللهم اجعله خير، ياترى هايحصل ايه؟" وقد نحول فرحتنا بكاء خوفاً من مجهول يترصدنا لمجرد الابتسام وكأنه يحرم علينا الضحك، علمتنا أمهاتنا أيضاً أن الضحك يقلل من قيمة الإنسان وأن اتزانه في ثبات ملامح وجهه فاخترنا الحفاظ على القيمة وفقدنا البهجة التي هي قمة الإحساس بالسعادة.
لم أتخيل تلك البهجة التي صنعها الاحتفال بعيد مولد ابنتي الصغرى، وما زاد الفرحة أن جميع من حضروا غمرتهم تلك الفرحة أيضاً، ضحكوا من قلوبهم وصاحبتهم الفرحة إلى بيوتهم، هذه الليلة جعلتني أبدأ تغيير نظرتي للسعادة، فربما تحمل الأشياء الصغيرة بهجة لم نتوقعها، وبدلاً من البحث عن السعادة الكبرى المبهمة دعونا نحتفل بأشيائنا الصغيرة اليومية المبهجة.
(مصر)