تدبير الاختلاف بين الأجيال

تدبير الاختلاف بين الأجيال

17 يونيو 2016
+ الخط -
الصراع بين الأجيال ظاهرة صحية وطبيعية وملازمة للبشر، حيث تتغذى المجتمعات من التفاعل والتجاذب بين مختلف الأجيال، فلكل جيل بصمته وروحه واختياراته. الاختلاف النابع من الفوارق المتعلقة بالسن وطرق التفكير والمرجعية المعرفية يجعل الأجيال تتفاعل فيما بينها، ما يقدّم للمجتمعات تنوعا في المنظورات ووجهات النظر.
كل جيل جديد يحمل معه بصمته، ويرفض بحكم فتوته الأفكار القائمة وأشكال العيش والتفكير السائدة، معتقداً أن القيم الأصيلة أصابها التلف، وغير قادرة على الصمود في وجه المتغيرات والتقلبات المتسارعة.
الأجيال الجديدة بفضل المستجدات العصرية التقنية والثقافية، قادرة على أن تضخ الدماء في شرايين المجتمعات، غير أن المجتمع لا يمكنه أن يتغيّر بسرعة خاطفة وجذرياً، كما يتبدّى للشباب، بل يحتاج إلى توافقات كثيرة قادرة على جعل التغيير لا يضرب عمق وخصوصية الثقافات.
القواعد والعادات والقيم الموجودة في بلد ما لا يمكن تخطيها بسهولة، فالقيم هي اختيارات أمةٍ من الأمم، تبعا لتجربتها ولتاريخها وللتقاليد والاختيارات الذهنية والفكرية التي أثرت في مسيرتها خلال تاريخ مديد. لذا، فإن إحداث تغييرات بها يستلزم مسيرة طويلة.
عموماً، يطال التغير كل شيء، التقنيات والأفكار والتصورات والأشكال والمواقف. لكن القيم باعتبارها تدخل في المجال الأخلاقي، وهي مرجع للمجموعات البشرية في تدبير علاقاتها واختلافها وفقاً لمنظومة محددة وضابطة، لا تحكمها النظرة المعيارية المتسمة بالخطأ أو الصواب، بل هي مرجع للناس، يتوافقون حولها في تدبير شؤون حياتهم، وكل ما يحصل فيها من ترميم وتغيير رهين بالزمن في بعده الثقافي.
الاختيارات القيمية الجديدة التي يحملها الشاب الحالم بروح التغيير، تلقى مقاومة من المجتمع، لأنها تهدّد اختياراته وانسجامه وتوافقاته التاريخية في شتى مجالات الحياة، داخل الأسرة، في العمل والعلاقات العامة، وفي باقي مناحي الحياة.
يتجلى صراع الأجيال بقوة داخل الأسرة، باعتبارها نواة المجتمع وبؤرة تجاذب الاختيارات، حيث تتركز القيم داخلها كونها جذرا ومنشأ للمجتمع. تتدافع المواقف والاختيارات القيمية بين جيل مجرب يدافع عن مكتسبات تاريخية متجذرة، وجيل جديد راغب في إرساء حياة عصرية تلائم روحه وتطلعاته.
اختيارات العصر والتطلع لبناء المجتمع يستوجبان التوافق بين الأجيال لإيجاد التوازنات الاجتماعية وللحفاظ على المكتسبات، فعلى الكبار أن يثقوا في قدرات الشباب، وتمكينهم من استيعاب التجارب الماضية، وفهم خصوصية الأمة وأعطابها وحاجاتها.
الأجيال السابقة تملك الخبرة الضرورية للاستمرار، والأجيال الحالية منخرطة في روح العصر وتقلباته، فالسابقة بيدها الحكمة والدربة، والحالية يملكون الطاقة والتحدي والمعارف والتقنيات والمعلومة المعاصرة.
الصراع بين الأجيال طبيعي وضروري، حين يكون الهدف هو الدخول في العصر، وتحقيق نهضةٍ شاملةٍ، فحين يصبح الصراع إعاقة للانخراط الإيجابي، تحت دعوى الحفاظ على المكتسبات، نصاب بالتقوقع، ونعدم أي روح اندماجية متطلعة نحو البناء وفرض الوجود، كما أن ترك الحبل على الغارب للأجيال الجديدة سيؤدي بنا إلى التفكّك والانهيار.
906550B4-94E2-48C5-BF2B-2AEA240AC8FF
906550B4-94E2-48C5-BF2B-2AEA240AC8FF
منصف بندحمان (المغرب)
منصف بندحمان (المغرب)