انفجر أيها العربي

18 يوليو 2017
+ الخط -
"أخي أيها العربي الأبيّ"، اسمح لي أن لا أسبغ عليك فيض الدلال، كما فعل محمد عبد الوهاب، في أغنيته التي حملت ذاك العنوان، فأستبدلها بـ"عدوي أيها العربي الأبيّ"، ولأقول، أيضًا، إن ثمّة حزامًا ناسفًا غير مرئيّ يزنّرك أينما حللت، حتى لو كنت عاريًا، وثمّة من يصر على تحزيمك بالمتفجرات، لأنك، باختصار، تمثل العدو "الضرورة"، في عصر (صراع الحضارات).
أعلمُ أنك تحرّرتَ من عقدة الحروب الصليبية التي طاردوك بها نحو خمسة قرون، وبأنك لم تعد تحمل غلّا على جزّاريها الذين أودوا بحياة الملايين من شعوبك العربية، وبمجازرها ووحشيتها التي فاقت كل تصور، خصوصًا لدى دخول الفرنجة إلى القدس أول مرة، فلم يستبقوا من سكانها أحدًا على قيد الحياة ليحدّث بما رأى، بل وردت رواية المجازر على ألسنة كتبة تاريخهم، وهم من حدّثونا عن بحر الدماء الذي اجتاح الشوارع، حاملًا أشلاء سكانها من شيوخ ونساء وأطفال.. وأعلمُ أنك لم تعد تحملُ إرث الاستعمار الأجنبي الذي رزح تحت حديده وناره أسلافك قرونًا طويلة. أعلمُ ذلك علم الفجيعة، لكن المطلوب منك أن تزعم الآن أنك تحمل إرث الثأر، ليتهموك بالحقد عليهم، وليضفوا على هذا "العدو" إكسسوارات الرعب الضرورية، ليقنعوا شعوبهم بمشروعية مطاردتك، وإبقاء الحرب مشتعلةً ضدك، حتى تستقيم معادلة العدو الجديد لعالمهم الحضاري، وليبقى الصراع مغذّيًا لعقيدتهم الفكرية والعسكرية، التي تعني، فيما تعني، إبقاء آلات مصانع أسلحتهم دائرة، وجنودهم وأساطيلهم وطائراتهم جائبة البحار والفضاء؛ لأنهم باختصار، ووفق منظومتهم الفكرية والعقائدية، لا يستطيعون الإبقاء على هيمنتهم العالمية، من دون "عدو"، فهو الذي يبرّر لهم التدخل في هذه المنطقة، وإبقاءها على بركانٍ لا يُخمد ألبتة.
ولك، بعدها، أن تعرف أيضًا، لماذا تتم تغذية إسرائيل، وإتخامها بالمال والسلاح، والإبقاء على تفوّقها العسكري والاستراتيجي في هذه المنطقة.
ولك، أيضاً، أن تعرف لماذا تخترع نبتات شيطانية على هيئة "داعش"، في هذه المنطقة، ليتم اختصار العربي في أشواكها، كائنًا بدائيًّا، حاقدًا، عدميًّا، تغمر لحيته الغبراء كل ملامحه، فلا تظهر من وجهه إلا قباحة الكهوف المظلمة، بيده سيفٌ وبلطة، ولا يرى في "الآخر"، المقيم خارج كهفه ومنظومته البدائية، غير عدوٍّ لا يستحق إلا قطع الرأس والحرق والإغراق، وإلا هل يمكنك تصديق أن دولًا عظمى وصغرى، وتحالفات عابرة للقارات، تعجز، فعلاً، عن إبادة هذا "النبت الشيطاني" لو شاءت بمعركةٍ حاسمة واحدة؟.. وإياك أن تصدق مبلغ الطنطنات الإعلامية الرنانة، الصادرة عن تحالفٍ عالمي كبير، وهو يحتفل بتحرير حيّ من أحياء الموصل بعد سنةٍ من القتال؟ غير أن المطلوب، فعلاً، أن تقام هذه السخريات، وأن "يبقى تنظيم الدولة الإسلامية ويتمدّد"، لا بشعاره هو، بل بإرادة أصحاب نظرية "صراع الحضارات" أنفسهم، الذين أوجدوا هذا الشعار له، وأرادوه لطخةً سوداء على خريطة "الحضارة" العالمية، ليضمن لهم منافذ لا تعدّ ولا تحصى للعبور والإقامة في هذه المنطقة، من جهة، ولأنه وسيلةٌ لحماية أذنابهم الطغاة على كراسي الحكم من غضب شعوبهم التي دخلت مرحلة "الربيع"، فوضعوا الشعوب أمام خيارين، أحلاهما مر: "داعش" وفوضى مجازرها أو الأنظمة العربية بطغيانها واستبدادها، فلم تجد هذه الشعوب المبتلاة غير الاستسلام للخيار الثاني.
"أخي أيها العربي المسكين"، يُراد لك أن تسير عكس عقارب الحضارة، كائنًا، عدميّاً، فوضويًا، حاقدًا، مولعًا بالدم والقتل، وحولك حيزٌ من الرعب والشك والريبة بخطوتك المقبلة، مطلوبٌ أن "تنفجر" فعلاً بكل هذا الحصار المضروب عليك، بحزامٍ ناسفٍ أو بعجلات شاحنةٍ، أو بسكين. لا فرق، المهم أن تنفجر، فإن فعلتها بنفسك، فذلك حسن، لأنك أدّيت الدور المطلوب بنجاح، وثق أنهم سيصفقون لك خفيةً في قلاع مؤامراتهم، وإلا ستبقى متهمًا حتى تثبت إدانتك، ذلك أن اللعبة أكبر منك، ومن أوطانك وخريطتك كلها، ولربما كان ذنبك الوحيد أنك تحمل إرث عارهم كصخرة سيزيف، منذ رحيل آخر مهزومٍ منهم عن هذه الأرض التي تأبى إلا أن تظل عربية.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.