الوجود التلقائي

06 مارس 2016
أدوات ووسائل لا نهاية لها وُجدت لتعزيز العزلة داخلنا(Getty)
+ الخط -

اختراع أو إيجاد خاصية (الالتقاط التلقائي) في الكاميرا كان على الأغلب ذا أهمية كبيرة للأشخاص الذين تسلّط العزلة أو الوحدة ضوءها عليهم، تُرى، هل ثمّة ضوء في دواخل هؤلاء الذين تأخذهم فكرة العيش بمنأى عن البشر؟

أحياناً من الجدير السير خلال حالة التفسير لتعقّب ما هو خارج عن إرادة المرء، دائماً رأس المال يعزز بقاء الكائن وحيداً، مثلاً، وفرة الأدوات الشخصية الخاصة بهؤلاء الوحيدين ليس من باب تلبية حاجياتهم وحسب، لأنّنا حين نكون أمام دراسة بصرية لأغلب الأفلام السينمائية التي تتحدث عن (العبودية) نلحظ بأن ثمة طاقة تدفع بالمالك إلى الفصل ما بين العبيد، نفسياً واجتماعياً، كأنّ العملية مرتبطة مباشرة بحالة زيادة الإنتاج والمواظبة على إبقاء السلاسل المادية والروحية تلك.

كان الصوت والتمتمات فيما بينهم وفي أغلب الأوقات يعتبر جريمة، كان هناك وضوح في عدم تداخل أفكار وهواجس ورؤوس العبيد بين بعضها البعض.

حديثاً، أخذ ذلك العزل أشكالاً أخرى في الدول التي نَصفها بالقامعة للناس، حيث هي الأخرى تعزز حالة الفصل تلك عبر أدوات لا نهائية، ثمة خوف دائمٌ من التقاء الناس بعضهم ببعض، حتى في أغلب الدول "الديمقراطية" تُفرض حالة الطوارئ إثر استهداف إرهابي أو ما شابه، فتأتي على وجه السرعة واضحةً فكرة العزل والفصل إذ تُمنع التجمعات في الشارع وأماكن أخرى، حتى عملية الحفاظ على الأمن في الدول تلك، ذات علاقة وطيدة بحالة العزل التي كان المالكون يفرضونها على عبيدهم.

ثمة حوار مبطّن يشغل بال المرء، ثمة تمتمات خفية تدفعه إلى التماهي مع نفسه خفيةً، تلك التمتمات التي كانت وليدة الخوف والعزلة صارت تتبلور في العصور الأخرى المتلاحقة تحت مسمى الفن.

لنتمعّن قليلاً في حالة الكتابة، نلحظ أنها سليلة التمتمات الداخلية والسرية للكائن المعزول، إذاً حالة الكتابة، بتصوري، لها جذر موثوق بحالة العبودية القديمة والتي فيها كان وضع اللسان داخل الأصفاد وسيلتها الرئيسية، يكتب المرء في العصر الحديث، أي يجهد نفسه في الخطاب الداخلي الخاص به، الصورة مشابهة بخطابات العبيد في دواخلهم قديماً والمقموعين سياسياً واجتماعياً ودينياً وقومياً.

حديثاً، في الدول "الديمقراطية" أخذ شكل الحالة الرأسمالية دور القيود القديمة تلك، حيث الولاء الملزم لمؤسسات الدولة والمعامل بغية كسب "لقمة العيش" هي الأخرى سليلة الأثقال تلك التي أنهكت الناس في العصور القديمة، بل إننا نلحظ سعي رأس المال إلى إنتاج كل شيء خاص بالأشخاص الذين يعيشون بمفردهم وكأنهم تحولوا إلى جنس موحّد في العالم، رجال نساء أطفال ووحيدون، بدءاً من اللوازم الشخصية ومروراً بالأجهزة المنزلية وبيع المأكولات وليس انتهاء بالكاميرات الأمامية لأجهزة الموبايلات، بل حتى إن تعزيز الجنس (الثالث) ذاك جليٌّ في فن العمارة والبناء إذ أن شركات كثيرة تبني شققاً سكنية خاصة لشخص واحد، هو ليس تنوعاً وحسب، لا سيما أنّ عملية البحث عن بيت بغرفة واحدة شاغرة في أغلب المدن والعواصم العالمية معقدة جداً إثر الطلب الهائل على تلك البيوت والشقق.

يمضي العالم تجاه هذا الجنس (الثالث) والذي تحول إلى سؤال بند رئيسي في أغلب الأوراق الحكومية والخاصة، ذاك السؤال: "هل تعيش بمفردك؟"، أدوات ووسائل لا نهاية لها وُجدت لتعزيز العزلة داخل الكائن، أدوات هي الأخرى سلاسل بدورها تسعى إلى إبقاء الموجودات عامة في قيود واضحة تماماً، أدوات مثل التلفاز والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي الافتراضية، كلها جعلت الكائنات منحسرة باتجاه الفرديّة المعاصرة التي أوجدت عملية بيع الدجاج والبطيخ المقطّع وليس انتهاءً بـ (عصا السيلفي).

(سورية)

دلالات
المساهمون