النفط القبرصي يشق طريقه إلى ساحة المنافسة

04 ابريل 2016
اكتشافات نفطية جديدة (فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من الركود الذي يسيطر على قطاع النفط بفعل انخفاض الأسعار العالمية واستمرار التجاذبات بين كبار المنتجين، والذي انعكس حركة خجولة في منطقة شرقي المتوسط، يبدو أن قبرص تجري عكس الرياح السائدة. فالجزيرة المتوسطية تستقطب منذ نهاية العام الماضي أنظار كُبريات الشركات العالمية وتستضيف أبرز المؤتمرات النفطية إضافة ً إلى رجال الأعمال والمستثمرين الذين يرون فيها فرصة لإعادة التوازن والنشاط إلى أعمالهم.
ينجح المسؤولون السياسيون القبارصة تدريجياً في لعب دور محوري بين بلدان دول المنطقة وبناء علاقات استراتيجية لتمتين موقعهم المستقبلي في السوق النفطية. وبحسب الرئيس نيكوس أناستاسياديس،فإن التعاون الاقتصادي يشجع على التعاون السياسي، والحاجة إلى تعاون في مجال الطاقة، سيساعد حكماً في تخفيف التشنج ووضع حد للصراعات السياسية. وأنه بالرغم من الأوضاع الهشة في المنطقة، مع استمرار الحرب القائمة في سورية، يشكل قطاع الطاقة وسيلة للتطوير وتخطي آثار الحروب.

اكتشافات نفطية 

منذ نحو عام تقريباً، وبينما كانت الأسعار تتجه نحو الانخفاض، كانت قبرص تطمح لأن تجد كميات واعدة من النفط والغاز في مياهها الإقليمية، أسوة بجارتها فلسطين المحتلة حيث تم اكتشاف حوالي 22 تريليون قدم مكعب بين حقلي تامار وليفياثان، إلا أن عمليات الحفر لم تثبت سوى 4.5 تريليونات فقط في حقل أفرودايت. أضف إلى ذلك، إعلان شركة توتال الفرنسية في ذلك الوقت (وهي تمتلك حق الاستكشاف والإنتاج في البلوكين 10 و11) نيتها الانسحاب من قبرص لعدم اكتشافها كميات واعدة وعدم قدرتها على تغطية استثمارات إضافية.
كل ما تقدم لم يثن ِ الدولة القبرصية عن المضي قدماً، فحركت عجلاتها الدبلوماسية والسياسية لزيارة المعنيين في عواصم القرار والتأكيد على قدرة الجزيرة في لعب الدور المحوري المطلوب وثقتها بحجم ثروتها النفطية. إلى أن جاء اكتشاف شركة "أي أن أي" الإيطالية لحقل الزهر المصري في آب/أغسطس من العام الماضي والمتاخم للمياه الإقليمية القبرصية ليعيد كل الحسابات، وليبدأ الحديث عن تداخله بالحقول القبرصية وإمكانية وجود حقول مشابهة في الجانب القبرصي وربما بكميات أكبر، بحسب آخر الدراسات المنشورة.

أصبحت قبرص إذاً، منذ أواخر العام 2015 محط أنظار كبريات الشركات العالمية من جديد، مما سمح للحكومة ووزارة الطاقة بالتحديد باقتناص هذه الفرصة الذهبية، فبدأت بتعزيز الجانب التقني من خلال عقد الاتفاقيات الخاصة بمسوحات جيوفيزيائية تسمح بالحصول على معلومات استكشافية دقيقة.
أما في الجانب السياسي، فاستؤنفت اللقاءات مع مختلف المعنيين بهذا القطاع في الدول المحيطة، وتوجت بداية العام 2016 بالقمة الثلاثية بين رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ورئيس الحكومة اليونانية ألكسيس تسيبراس والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس، للبحث في سبل التعاون في مجال الغاز الطبيعي وتم الإعلان عن النية لمد أنبوب للغاز بطول 1,700 كلم من الحقول من فلسطين المحتلة والحقول القبرصية إلى أوروبا عبر اليونان، ومنها إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي. هذا بالإضافة إلى مجموعة المؤتمرات الإقليمية التي استضافتها قبرص في الأشهر الثلاث الأخيرة، كالمنتدى الاقتصادي اللبناني – القبرصي والمؤتمر المتوسطي السابع للنفط والغاز، حيث صرح الرئيس القبرصي أن "هدفنا الأساسي هو التطوير المستدام لقطاع الطاقة وخدمة الأجيال المقبلة".
من جهة أخرى، ونتيجة كل هذه العوامل، توجت نيقوسيا هذا النشاط النفطي بالإعلان يوم الخميس الماضي عن تنظيم دورة التراخيص الثالثة في مياهها الإقليمية من أجل تلزيم البلوكات البحرية 6، 8 و10 الاستراتيجية للشركات العالمية، وعن استقبال عروضها خلال الأشهر الأربعة المقبلة، على أن تعلن النتائج في مهلة أقصاها ستة أشهر.
فهل تصبح قبرص قريبا ً المركز النفطي الأول في شرقي المتوسط وتلعب دور الوسيط بين الشرق والدول الأوروبية؟
(متخصص في الهندسة النفطية)

المساهمون