النظام المصري يصارع نقابة الصحافيين

21 نوفمبر 2016
تعقد جمعية عمومية لنقابة الصحافيين الأربعاء (العربي الجديد)
+ الخط -
سبعة أشهر تقريباً هي عمر وعمق الأزمة الممتدة بين نقابة الصحافيين المصرية من جهة، والنظام المصري ممثلاً في وزارة الداخليّة من الجهة الأخرى، وصلت إلى إصدار حكم بالحبس والكفالة على نقيب الصحافيين، يحيى قلاش، وعضوَي مجلس النقابة، خالد البلشي وجمال عبد الرحيم.
ويشير المحامون إلى أنّ المحكمة في حكمها قضت بأقصى عقوبة في المادة القانونية التي يحاكم بها النقيب وعضوي المجلس، وأن المحكمة فرضت في حكمها الكفالة لمنع حبسهم مباشرة.


بداية الأزمة كانت يوم 1 مايو/ أيار الماضي، عندما تمكن الصحافيان المصريان، عمرو بدر ومحمود السقا، من مراوغة الأمن، والانتقال من مكان اختبائهما إلى نقابة الصحافيين المصرية، وسط القاهرة. يومها، أعلن بدر والسقا دخولهما في اعتصام مفتوح في النقابة، اعتراضاً على قرار ضبطهما وإحضارهما، وملاحقتهما أمنياً، على خلفية كتاباتهما الصحافية ومواقفهما السياسية الرافضة لتنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير لمصلحة السعودية بموجب اتفاقية ترسيم الحدود المبرمة بين البلدين في 8 إبريل/نيسان الماضي.

داخل ساحات النقابة، تجمع عشرات الصحافيين للإعلان عن تضامنهم مع بدر والسقا، اللذين
أخطرا النقابة رسمياً ببدئهما في الاعتصام. وهو ما أعلن مقرر لجنة الحريات، خالد البلشي، التضامن معه، برفقة عدد آخر من الصحافيين، خلال ساعات قليلة.
في اليوم التالي مباشرة، وعشية اليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من مايو/أيار؛ اقتحمت قوات الأمن المصرية مقر نقابة الصحافيين، لاعتقال بدر والسقا من داخلها.


كان ذلك خرقاً لقانون نقابة الصحافيين المصرية، والذي ينص في مادتيه الـ70 و71 على "ألا يجوز تفتيش مقار نقابة الصحافيين ونقاباتها الفرعية أو وضع أختام عليها إلا بمعرفة أحد أعضاء النقابة العامة وبحضور نقيب الصحافيين أو النقابة الفرعية أو من يمثلهما". ويضيف: "للنقابة وللنقابات الفرعية حق الحصول على صور الأحكام الصادرة في حق الصحافي والأحكام والتحقيقات التي تجري معه بغير رسوم".
أشعلت واقعة الاقتحام غضب الصحافيين وتوجهوا على الفور مع عدد كبير من المتضامنين من الناشطين والحقوقيين إلى مقر النقابة وأعلنوا اعتصامهم فيها، رافعين مطالب إطلاق سراح كافة الزملاء المعتقلين والمحبوسين في قضايا رأي، وإقالة وزير الداخلية ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
ليلتها، قضى الصحافيون ساعات اعتصامهم على سلم النقابة يهتفون "الداخلية بلطجية"، و"يسقط حكم العسكر"، و"حبس الصحافي عار وخيانة"، في مشهدٍ أحيا في الأذهان ليالي اعتصامات الثوار في قلب ميدان التحرير، في ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني2011.
وفي منتصف الليل تقريباً، أصدر مجلس نقابة الصحافيين المصرية، عقب اجتماعه الطارئ، قراراته وهي "اعتصام مفتوح ليومين، على أن تعقد الجمعية العمومية الطارئة للنقابة لمناقشة الاعتداءات التي تعرضت لها، بينما المطلب الأساسي هو إقالة وزير الداخلية".
كما خرج البيان الأول لعشرات الصحافيين المعتصمين في النقابة، ليعلن "الدخول في اعتصام بمقر النقابة بدءاً من منتصف اليوم الأول من مايو/أيار احتجاجاً على جريمة اقتحام قوات الأمن لمقر النقابة واختطاف الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا في تمام الساعة التاسعة من مساء اليوم نفسه"، وليحمل "الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، المسؤولية عن هذه الجريمة غير المسبوقة".
واعتبر المعتصمون الواقعة بمثابة "اعتداء غاشم على حرية الصحافة لوقفها عن القيام بدورها في فضح جرائم النظام من قتل واعتقال وتعذيب الآلاف من المصريين وصولاً إلى التفريط في التراب الوطني ببيع جزيرتي تيران وصنافير".
الاعتصام انضم له عدد من الشخصيات السياسية والعامة، ومنهم النائب خالد يوسف، وخالد داوود، ومها مكاوي، إضافةً إلى شيوخ مهنة الصحافة، وشباب الصحافيين، الذين بدأوا الاعتصام، ثم انضم لهم عدد من أعضاء مجلس نقابة الصحافيين المصرية، وعلى رأسهم النقيب، يحيى قلاش، وحنان فكري، ومحمود كامل.

من جهتها، أصدرت وزارة الداخلية المصرية بياناً رسمياً، قالت فيه إنه "تنفيذاً لقرار النيابة العامة الصادر بشأن ضبط وإحضار كل من عمرو منصور إسماعيل بدر، رئيس تحرير بوابة يناير الإلكترونية، ومحمود حسني محمود محمد، وشهرته محمود السقا، طالب ومتدرب ببوابة يناير الإلكترونية، المتهمين بالتحريض على خرق قانون تنظيم حق التظاهر والإخلال بالأمن ومحاولة زعزعة الاستقرار في البلاد، حيث قامت أجهزة الأمن بتوجيه مأمورية لضبطهما حيث تبين عدم تواجدهما بمنزليهما.. وفي وقت لاحق وردت معلومات للأجهزة الأمنية تفيد باختبائهما داخل مقر نقابة الصحافيين واتخاذها ملاذاً للهروب والحيلولة دون تنفيذ قرار النيابة العامة ومحاولة الزج بالنقابة في مواجهة مع أجهزة الأمن واستغلال ذلك لافتعال أزمة يشارك فيها عدد من العناصر الإثارية لإحداث حالة من الفوضى".

في 18 مايو/أيار الماضي، وخلال انعقاد اجتماع الجمعية العمومية للنقابة، حين حضر آلاف الصحافيين وسط حشود أمنية مكثفة؛ أصدر النقيب عدة قرارات حاسمة، منها مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالاعتذار عن الواقعة، وإقالة وزير الداخلية، ومنع نشر اسمه في الصحف، ونشر صوره "نيجاتيف" في جميع وسائل الإعلام، واستمرار انعقاد مجلس النقابة لمناقشة تطورات الأزمة.
وفي 30 من الشهر نفسه، وبعد 18 ساعة متواصلة من التحقيق؛ قرر المحامي العام الأول لنيابات وسط القاهرة، إخلاء سبيل نقيب الصحافيين وعضوي المجلس، بضمان مالي 10 آلاف جنيه لكل منهم، بعد أن وجهت النيابة لهم تهمتي إيواء متهمين صادر بحقهما قرار ضبط وإحضار من النيابة العامة وهما عمرو بدر ومحود السقا، ونشر أخبار كاذبة تتعلق باقتحام النقابة.
وبالتزامن مع التحقيقات مع قيادات النقابة الثلاثة؛ كان عشرات الصحافيين، يهتفون على سلم النقابة "يسقط كل رموز العار... يسقط يسقط عبد الغفار"، "عبد الغفار عبد مأمور.. والسيسي هو المسؤول"، في إشارة لوزير الداخلية المصري. و"افتح سجنك واكسر بابه.. قولوا للباشا يلمّ كلابه"، و"يسقط يسقط حكم العسكر"، و"رجع الباشا بنفس الوش.. اللي اتغير بس الصورة.. الله يرحم في التحرير كان بيبص بعين مكسورة"، و"يابو دبورة ونسر وكاب.. الصحافة مش إرهاب"، و"عيش حرية.. الجزر دي مصرية"، وغيرها من الهتافات.
تزامناً، كان الباقون من أعضاء المجلس في اجتماع مطول استمر لساعات، لكنه لم يصدر قرارات واضحة، بل شابه التوتر والخلافات، ورحيل عدد من الحضور بشكل مباغت من دون إعلان أسباب. وفي البداية؛ رفض ثلاثتهم دفع الكفالة لعدم اعترافهم بالتهم المنسوبة لهم؛ إلا أن محامي النقابة بالتعاون مع عدد من رموز الصحافة في مصر، توجه ودفع الكفالات، وخرج ثلاثتهم من النيابة، بعد ليلة كاملة قضوها في التحقيق.

وتبيّن أن عددًا من أعضاء المجلس قد أعلن رفضه لقرارات الجمعية العمومية السابقة، وانضم لمبادرة عدد من الصحافيين برئاسة نقيب الصحافيين الأسبق، مكرم محمد أحمد، أطلقوا عليها "جبهة تصحيح المسار"، وعقدوا اجتماعاً بمقر الأهرام، طالبوا فيه بإجراء انتخابات مبكرة لمجلس نقابة الصحافيين، يكون من حق أعضاء المجلس الحالي الدخول فيها؛ بهدف تشكيل
مجلس نقابة جديد يعيد ترميم وحدة الصحافيين، ويرسم للنقابة دورًا مهنيًّا يتوازن فيه العمل النقابي مع العمل السياسي.
وهو ما رد عليه سكرتير عام النقابة، جمال عبد الرحيم، عبر حسابه الخاص على "فيسبوك"، قائلا "أقر وأعترف أنا جمال عبد الرحيم، عضو مجلس نقابة الصحافيين، أنني شاركت في إيواء الزميل عبد الجليل الشرنوبي، رئيس تحرير موقع إخوان أون لاين السابق بمقر نقابة الصحافيين، الكائن 4 شارع عبد الخالق ثروت دائرة قسم قصر النيل القاهرة، في الفترة من 12 مارس إلى 18 إبريل/نيسان 2008 بمشاركة الزملاء مكرم محمد أحمد، نقيب الصحافيين الأسبق، وأعضاء المجلس صلاح عبد المقصود وعبد المحسن سلامة وحاتم زكريا وجمال فهمي ويحيى قلاش ومحمد خراجة وعلاء ثابت وهاني عمارة وعبير سعدي ومحمد عبد القدوس وياسر رزق".

وحده الرئيس السابق لمحكمة الجنايات، إبراهيم أبو زيد، الذي تنبأ بالحكم الصادر من محكمة قصر النيل، حيث أكد أن حبس النقيب وأعضاء مجلس النقابة واقعة تحدث لأول مرة في تاريخ نقابة الصحافيين، متوقعا العقوبة المنتظرة "حبسهم فترة لا تقل عن عامين". وبالفعل، وبعد عدة جلسات، أصدرت أمس محكمة جنح قصر النيل، السبت الماضي، بحبس نقيب الصحافيين وسكرتير عام النقابة ووكيلها، سنتين مع الشغل وكفالة 10 آلاف جنيه، في قضية اتهامهم بإيواء هاربين.

يشار إلى أن الحكم ليس حكما نهائيا باتا ويمكن الاستئناف عليه، بحسب محامين وحقوقيين.

وبحسب ما أعلنه مجلس النقابة في اجتماعه السبت، فإنه من المقرر أن يدفع النقيب وعضوا المجلس، ويباشروا الإجراءات القانونية لاستئناف الحكم، مع إعلان حالة الانعقاد الدائم للمجلس، واجتماعه غداً الثلاثاء، ودعوة أعضاء الجمعية العمومية لاجتماع بعد غدٍ الأربعاء.



المساهمون