المؤسسة والشاعر

25 ديسمبر 2015

صراع سياسي حشر فيه اسم درويش وتراثه (أ.ف.ب)

+ الخط -
ينشغل المجتمع الثقافي والسياسي الفلسطيني، منذ أيام، بضجيج سببه قرار رئاسيّ فلسطيني بإقالة مجلس أمناء مؤسسة محمود درويش المعين منذ إنشاء المؤسسة عام 2008، بعيد رحيل الشاعر، وتم الحديث عن تعيين مجلس أمناء آخر جديد. والمعروف أن هذه المؤسسة قامت، بقرار رئاسي، مؤسسةً رسمية، كأيٍّ من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، على أن تكون مستقلة في شؤونها العملية. ويضم مجلس الأمناء، برئاسة ياسر عبد ربه، أعضاء من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وفلسطين الـ 48، بينهم أفراد من عائلة الشاعر، ولم تكن تضم، بحسب ما هو معروف، أيًاً من مثقفي الشتات الفلسطيني. أثار قرار تعيين مجلس أمناء جديد أعضاء المجلس القديم الذين اعتبروا مثل هذا القرار ضربة قاسية للثقافة الفلسطينية، ومسّاً بإرث محمود درويش، وبجهودهم الجبّارة للمحافظة على هذا الإرث. وانبرى بعضهم للكتابة ضد المرسوم الرئاسي الجديد، بطريقةٍ يشعر المرء فيها أنه تم القضاء على الشاعر، وعلى قيمته الشعرية، بسبب تغيير القائمين على المؤسسة، ما يذكّرنا بكل الجدل الذي عرفته بلادنا في السنوات الأخيرة حول الأبد وخلود الأنظمة والزعماء. وراح بعضهم يتحدث عن فصل السياسة عن الثقافة، وتحييد الصراعات السياسية عن المؤسسات الثقافية، كأننا نعيش في مجتمع ديمقراطي، مضى على نشوئه قرون، ولسنا في مجتمع قبلي أقرب إلى العلاقات البدوية التي تميزها نزعات الثأر والتنافس بين القبائل والعشائر والعائلات، حيث تتداخل وتتشابك كل هذه الظواهر فيما بينها، ليصبح من المستحيل تطوير أي صيغة حديثة للعمل الثقافي أو السياسي.
أنشئت مؤسسة محمود درويش بقرار سياسي، وتم تعيين مجلس أمنائها بقرار سياسي، لا تبتعد عنه الصبغة الحزبية والعائلية. ومن الطبيعي أن تتم إقالة هذا المجلس بقرار سياسي، حين ينتفي الوئام السياسي بين الأطراف المعنية بهذه المؤسسة. يعلم الجميع أن خلافاً سياسياً يتفاعل منذ وقت ليس بعيداً بين رئيس مجلس الأمناء الأول، ياسر عبد ربه، والرئيس أبو مازن، عنوانه الأبرز علاقات عبد ربه بمحمد دحلان، عضو مركزية حركة فتح المقال، ما ترتبت عليه عدة إجراءات، اتخذت بحق عبد ربه، أدت إلى إنهاء دوره أمين سر للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإزاحته عن رئاسة هيئة التلفزة والإذاعة، ومحاولة فاشلة لإغلاق مركز تحالف السلام المشترك مع السياسي الإسرائيلي، يوسي بيلين، وتوج، أخيراً، بإقالته من على رأس مؤسسة محمود درويش، ومن معه في مجلس الأمناء.
لا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى كل هذا الضجيج، فهناك صراع سياسي، حُشر فيه اسم الشاعر وتراثه، وطالما أن المؤسسة باقية، ولم يصدر قرار بإلغائها، فما هو الضرر في تغيير الوجوه والمسؤولين والأمناء. وطالما أن محمود درويش نفسه لم يستشر في إنشاء مؤسسةٍ تحمل اسمه، لتصبح حلبة للصراعات السياسية، والتنافس على مراكز القوة والنفوذ، ولم يختر أحداً، ولا مجلساً، لن يستطيع قرار كهذا، أو أي قرار آخر صادر عن الرئاسة، أو أي هيئة رسمية، أو غير رسمية، أن تؤثر سلباً أو إيجاباً في قيمته شاعراً، أو رمزاً ثقافياً كبيراً، ولا على خلوده في ضمائر شعبه، ومحبي الشعر في العالم. ولا معنى لكل هذا الضجيج إلاّ للمستظلين بظل الشاعر. فلم يكن المتنبي يحتاج يوماً إلى مؤسسةٍ، تخلد حضوره الساطع في التاريخ، ولم يكن الشاعر الإسباني العظيم، فدريكو غارثيا لوركا، الذي لا يعرف أحدٌ، حتى الآن، بعد اغتياله على أيدي الفاشيست عام 1936 أين قبره، يحتاج إلى مؤسسات، ولا قرارات رئاسية، كي تحفظ الأجيال شعره، ويتأثر به شعراء العالم. ومع التقدير للصرح الذي يضم مقام شاعرنا في رام الله، إلاّ أن خلوده آتٍ من صوته الباقي أبداً، لا من الحجارة.
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.