العنف المدرسي في تونس غول يهدّد التربية

05 مارس 2014
+ الخط -

"لن تكون عالماً حتى تكون متعلّماً ولن تصبح بالعلم عالماً حتى تكون به عاملا". دروس علّمونا إيّاها منذ دخولنا إلى المدرسة، فأصبحنا نحسن بها آداب السلوك والتصرف في أسرنا وحياتنا الاجتماعية. لكن حين نعلم اليوم أنّ مؤسساتنا التربوية تسجّل أكثر من مئة حالة عنف يومياً، فهذا يدعونا إلى الفزع والتساؤل عن أسباب تنامي ظاهرة العنف المدرسي، رغم ما تقوم به المدرسة من دور تربوي.

تتعايش داخل المدرسة أطراف متعددة تخضع العلاقات في ما بينها إلى قواعد مضبوطة بقوانين. ولكن مع ذلك تحدث تجاوزات وخروقات قد تتطور في بعض الأحيان لتتحول إلى مظاهر عنيفة. فقد سجلت الإدارة العامة للمرحلة الإعدادية والثانوية التابعة لوزارة التربية التونسية خلال الثلاثي الأول من السنة الدراسية 2013- 2014 أكثر من 100 حالة عنف يومياً، وأكثر من 19 ألف حالة طرد بسبب الانحلال الأخلاقي والعنف.

تؤكد أرقام وزارة التربية أنّ نسبة العنف بين التّلاميذ في المرحلة الإعدادية مثّلت 57 بالمئة من جملة الاعتداءات المسجلة. وقد احتل تلامذة السنة السابعة أساسي (في سن الـ13) الصدارة من حيث العنف بـ 2034 حالة اعتداء.

"العربي الجديد" التقت بعض تلامذة المعاهد لمعرفة ما يدور داخل أسوارها.

يقول محمد، التلميذ في السنة التاسعة أساسي بإحدى مدارس تونس العاصمة، "كثيراً ما تحدث مشادات كلامية بين الأستاذ وأحد تلامذته بالقسم، ولا يتخذ الأستاذ أي إجراءات ضد التلميذ وكأنّ الأمر بات عادياً بين الطرفين"، مشيراً إلى أن "حالات الضرب والعنف بين التلامذة مشهد يتداول كثيراً سواء أمام المدرسة أو بين أروقتها".

ويخالف ذلك كريم، التلميذ في السنة الثامنة أساسي محمّد، حيث يؤكد أنّ الأساتذة يتخذون قرارات زجرية في حق كل تلميذ يتطاول على الأستاذ، سواء بالعنف اللفظي أو المادي، وهو ما أدّى إلى طرد العديد من التلاميذ. لكن خلال حديثه أشار كريم إلى أنّ بعض الأساتذة يتعمدون إهانة التلميذ، وهو ما يستفزه ويجعله يتلفظ هو الآخر ببعض الألفاظ غير الأخلاقية داخل القسم.

وتحدّث الأمين العام لنقابة التعليم الثانوي، الأسعد اليعقوبي، لـ"العربي الجديد" عن تفاقم ظاهرة العنف المدرسي بعد الثورة، مشيراً إلى أنّ ذلك ناتج من حالة التسيب والانفلات التي شهدتها البلاد.

كذلك أكّد أنّ النقابة العامة للتعليم الثانوي عبّرت عن تجندها للتصدي لظاهرة العنف داخل المؤسّسة التربوية بكل أشكالها، محمّلة وزارة التربية والحكومة المسؤولية كاملة عنها، ودعتها إلى التخلي عن صمتها وسلبيتها. كما دعت المجلس الوطني التأسيسي وجميع مكونات المجتمع المدني إلى الانخراط في حملة وطنية هدفها إنقاذ المدرسة الرسمية من الأخطار التي تحدق بها.

قد يذهب ظن البعض إلى أنّ ظاهرة العنف المدرسي في تونس حديثة، لكن بالعودة إلى سجلات وزارة التربية نقف على حالات عديدة لتلاميذ ارتكبوا تجاوزات خطيرة ترتقي إلى مستوى الجريمة، لكن التعتيم الذي رافقها جعلها لا تصل إلى عامة الناس خصوصا في زمن النظام السابق.

تجاوزت حالات العنف المادي مجرد نشوب مناوشات، إذ لم يعد من الغريب في مدارسنا اليوم أن نعثر في حقيبة بعض التلاميذ على أسلحة بيضاء أو أدوات حادة أو حتى قوارير غاز صغيرة تستخدم لشلّ الحركة. على غرار ما حصل في "معهد نهج مرسيليا" في تونس العاصمة سنة 2010 عندما استلّ أحد التلاميذ سكيناً وحاول إيذاء أستاذته داخل القسم.

كما شهدت "مدرسة بجهة جبل الجلود" في تونس العاصمة سنة 2010 حادثة غريبة اعتدى خلالها مجموعة من التلاميذ على زميل لهم، فجردوه من ملابسه محاولين الاعتداء عليه جنسياً.

ولعل ما حدث الأسبوع الماضي في مدرسة في حي التضامن في تونس العاصمة قد تجاوز كل الحدود إذ عمدت مجموعة من الشبان إلى طعن تلميذ بسكين أمام مرأى الجميع. كذلك بات العنف اللّفظي من أكثر مظاهر العنف شيوعاً داخل المدارس.

واعتبر الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد في لقاء مع "العربي الجديد" أنّ "النسب التي كشفتها وزارة التربية لا تعكس حجم الحالة في المؤسسات التربويّة، لأنها نسبٌ تعلقت بأحداث عنف تم فيها اتخاذ إجراءات إدارية لا غير، لكن الظاهرة أعمق من الأرقام".

كما رأى أن "للظاهرة أسباباً مدرسيّة وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، فالعنف المدرسي ليس عنفاً مفصولًا عن ممارسة العنف الموجودة في المجتمع، وهذا واقع ليس وليد ما بعد الثورة، بل هو واقع تعيشه تونس منذ سنوات وهو امتداد لعنف أسري اجتماعي واقتصادي وسياسي".

دلالات
المساهمون