العصيان

العصيان

17 يونيو 2019
+ الخط -
هل يمكن اعتبار البلاد العربية والإسلامية جزراً منعزلة عن بعضها بعضا؟ هل يمكن أن يعيش بلد عربي في حالة من الرغد والحرية والعدالة من دون أن يتأثر سلباً بشقيقٍ عربي آخر يعيش في ظروف مغايرة، على الرغم من الحدود والتقسيمات والقوانين؟ هل يمكن، على الرغم من "سايكس بيكو"، ألا يؤثر أو يتأثر بقُطر مجاور له، أو بعيد عنه جغرافياً؟
أجابت الشعوب على تلك التساؤلات وغيرها في الفترة الأخيرة، فيما عُرف بثورات الربيع العربي، حيث استطاعت أن تكسر حاجز العزلة التي طوّقها بها الاستعمار الغربي، وأكدت عليه أنظمة استبدادية أذاقت شعوبها الويلات من جراء التبعية والفساد والعمالة وخيانة التاريخ والهوية وتغريب الثقافة وتضييع معالم صفات الأمة التي لم تزل تتمسك ببعض ثوابتها.
بدأ الربيع العربي مطلع العام 2011، بدءاً من تونس التي استطاعت أن تخرج ديكتاتورها من البلاد من دون عودة، ومن دون إراقة قطرة دماء واحدة بعد ثورة الكرامة للشاب محمد البوعزيزي الذي اهتمت له كل الشعوب العربية، ليليها الشعب المصري، وينجح بعد ثورة قدّم فيها ثمن حريته أن يخلع رأس النظام، من دون بقية جسده.
انحاز الجيش في تونس لإرادة الشعب، وقام بحمايته في الميادين، حتى تمكّن من إجبار المستبد على الهروب. وفي مصر انحاز الجيش لمصالحه ومطامعه في الحكم، فسالت الدماء، وكانت الإجابة: تونس على كل الألسنة في الدافع الأول للثورة، وتعلم الشعب المصري كيف ينتفض على يد شقيقه التونسي، وسمعنا الهتافات في تونس تحيي الثوار في القاهرة، لتشتعل منطقة أخرى بكلمة "ارحل"، ويغنّيها الثوار في الشوارع، وتبدأ الثورة السورية بسلمية كاملة، حتى يتدخل النظام الدموي بقتل الثوار بوحشية، فيضطروا للدفاع عن أنفسهم، وتنتفض ليبيا، واليمن، يقع الثوار في أخطاء، ويتلافاها ثوار آخرون، وفي كل قطر تشتعل فيه الثورة يدّعي أنه في منأىً عن الآخر، ففي البداية، كانت مصر ليست تونس، كما خرج صفوت الشريف مصرحاً على وسائل الإعلام المصرية قبيل 25 يناير، كما قال بشار إنّ سورية ليست مصر، متناسين أن الحدود المصنوعة لم تمنع أن يكون قاتل كليبر في مصر سليمان الحلبي. كل هذا في بداية الربيع العربي. ومع مرور الوقت، تعلمت الشعوب أن مصيرها الواحد يدفعها إلى أن تتعلم وسائل ثورية جديدة، وأخطاء ثورية قديمة، حيث تراكمت الخبرات، لا ليتعلم منها أبناء القطر الواحد، وإنما ليتم تداولها بين الأقطار العربية، ممزقين الحواجز المفروضة. وها هو الشعب الجزائري يتعلم من سابقه في مصر أن الثورة لا يجب أن تغادر الميادين، خلف أي دعاوى انتخابية، تحت مظلة العسكر أو الدولة العميقة، ويرفضون كل العروض، وتنجح أول تجربة ثورية عربية في اجتثاث التآمر، وتمر الفترة الممنوحة للترشح الرئاسي، من دون أن يتقدّم أحد احتراماً لإرادة الشعب الذي لم تستطع قوة خارجية أو داخلية في تفرقته، لينجح الشعب الجزائري في وعي الدرس، ويتخذ العبرة من أخطاء الثورات الأخرى.
على الرغم من انقطاع خدمة الإنترنت، وانقطاع الكهرباء، وعزل السودان تماماً عن العالم الخارجي، إلا من بضعة أخبار متناثرة على بعض الشاشات، كالجزيرة وقليل من القنوات الأخرى، إلا أن مشاهد نجاح العصيان المدني في السودان أبهرت الشعوب العربية، انتقلت الأخبار سريعة، على الرغم من الحصار في غفلة، وبدأت العدوى الثورية تنتقل من السودان إلى مصر لتتسع الدعوات إلى تكرار التجربة السودانية في العصيان المدني. وبصرف النظر عن تعليق العصيان، أو العودة إلى التفاوض مع العسكر، إلا أنها خبرة مضافة، ووعي مضاف، وتجارب تحسب للثورات العربية تختزنها ذاكرة الشعوب حتى لحظة الانفجار الكبير.
إن الأنظمة التي تحاصر شعوبها اليوم ستجد نفسها، وفي وقت قريب جداً، محاصرةً من تلك الشعوب، محاصرة في بقائها ومصالحها وجهلها. حركة الوعي المتراكمة والمتنقلة بين الشعوب العربية في صمت كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، لهي إيذان بفجر ثوري جديد، واجتياح شامل وعودة كبيرة لأصول البناء الحضاري الواعي والمبني على هوية واضحة وثقافة متجذرة.
سقوط الأنظمة مرهونٌ بحركة شعبية موحدة على مستوى العالم العربي، وفي آن واحد، وقد بدأت الشعوب تدرك تلك الحقيقة، وتعمل تبعاً لقواعدها.
13270612-18EF-4EC9-83F9-3E0A14D243E7
13270612-18EF-4EC9-83F9-3E0A14D243E7
عزة مختار (مصر)
عزة مختار (مصر)