السوريون في الجامعات التركية: نعود أو لا نعود

11 نوفمبر 2016
(تصوير: مونيك جاك)
+ الخط -

عندما انتهينا من اللقاء معه، سألته سؤالًا أخيراً إن كان سيعود إلى سورية بعد أن ينهي سنوات دراسته الجامعية الأربع في تركيا، فأجاب بوضوح: "بالطبع لن أعود، لم يعد هناك أحد من الذين أعرفهم على قيد الحياة، وكذلك لن أبقى في تركيا، فهي ليست مكانًا للاستقرار. سأسافر إلى الدوحة أو ماليزيا، أو إلى بلد آخر".

مالك (20 عامًا)، جاء من مدينة الريحانية على الحدود السورية التركية، إلى مدينة غازي عنتاب لكي يدرس في جامعتها كطالب في كلية الهندسة المعمارية. إضافة إلى ذكريات تنقله من الريحانية للمدينة التي قبل في جامعتها، يحمل مالك ذكريات سيئة ومأساوية عن رحلته من وسط سورية باتجاه الأراضي اللبنانية، ثم سفره بالباخرة إلى تركيا، بعد أن ساءت صحته إثر معاناته التي دامت لأشهر في ظل الحصار الذي فرضته قوات النظام على بعض أحياء مدينة حمص.

لا يحبذ مالك تصرفات بعض الطلاب السوريين في جامعته، ويراها مسيئة لصورة السوريين بعمومهم في هذه المدينة، واصفًا تصرفات معظمهم في جامعته، بـ "الاستعراض الفج" لما يملكونه من مال وسيارات: "الطلاب الأتراك يتساءلون عن حقيقة الأوضاع المادية الصعبة للاجئين السوريين في ضوء حالة البذخ التي تظهر على بعض الطلاب".

في الدفعة التي يدرس فيها مالك، هناك 24 طالبًا كلهم من مدينة حلب، ما عدا اثنين؛ أحدهما مالك وطالب آخر من مدينة منبج الواقعة في ريف حلب الشرقي. يتعجب الشاب من الحضور الحلبي الكثيف في المدينة والجامعة، وهو يتندر على سماعه مفردة "أشدقلك" (مصطلح باللهجة الحلبية يعني: أريد أن أقول لك) في كل مكان من حرم الجامعة ويتابع "تشعر وكأنك في جامعة حلب".

من جانب آخر، تقول مها (20 عامًا) وهي طالبة اقتصاد سنة أولى في جامعة عنتاب أيضًا: "أعتقد أن عدد الطلاب السوريين في جامعة عنتاب يصل للألف طالب وطالبة ومعظمهم من مدينة حلب، بحكم موقع حلب الجغرافي المقابل لغازي عنتاب خلف الحدود".

لا تشعر مها، اللاجئة من مدينة حلب، بكثافة الحضور السوري: "ربما في الجامعة  الحضور كبير، لكن في كليتي قليل جدًا". ولا تبدو مهتمة أصلاً بردة فعل الطلاب الأتراك على تصرفات بعضهم، رغم تأكيدها على ضرورة احترام القوانين في الجامعة وإعطاء صورة حسنة عن السوريين اللاجئين بشكل عام: "عادية تصرفات الطلاب الأتراك معنا؛ بعضهم يتقبل حضورنا وبعضهم الآخر لا يتقبله، المشكلة هي كثافة السوريين في المدينة بشكل أساسي".

موقف مها نابع من قرارها بالعودة إلى سورية في أول فرصة سانحة. وعندما أخبرتها أن أربع سنوات من الدراسة قد تكون كفيلة بتغيير رأيها أجابت: "ممكن، ولكن إن سنحت لي الفرصة سأعود إلى سورية بالتأكيد".

عامان كاملان مرّا منذ أن بدأت مها تعلم اللغة التركية، واليوم تتقنها إلى حد كبير، لكنها ما زالت تؤكد صعوبة التعامل بها؛ ما جعل فترة تعلمها إياها أطول. تكمن الإشكالية بالنسبة إلى مها بأنّ هذه الصعوبة ستضطرها إلى قضاء وقت أكبر للدراسة، مما سيحرمها من فرص العمل التي تؤمن بواسطتها بعض المال من أجل الدراسة.

هكذا، تلجأ مها للمنح التي تقدمها بعض المنظمات للطلاب السوريين وقد حصلت على منحة لهذا العام من منظمة دولية مهتمة بتعليم اللاجئين.

تبدو اللغة عائقًا أمام الالتحاق بالتعليم الجامعي بنظر بعض الطلاب السوريين، فعدا عن أسعار دورات اللغة المرتفعة والتي تصل إلى 3500 دولار في ستة أشهر فقط، يعبر عدد من الطلاب عن صعوبة اللغة التركية تعلمًا وممارسة، لذلك هم يقبلون على الفروع الدراسية التي تدرس باللغة الإنكليزية، ومن هؤلاء الطلاب كان مالك الذي تعلم التركية بشكل قليل إلا أن لغة منهاج الدراسة في كليته هي الإنكليزية مما يسهّل عليه الالتحاق بالجامعة، ولكنه يؤكد: "إذا اضطررت إلى تعلم اللغة التركية من أجل الالتحاق بجامعة فسوف أتعلمها".

وعن احتياجاته المادية وكيف يوفرها يقول مالك: "إنني كذلك أبحث عن منح تقدم للطلاب السوريين اللاجئين وأبحث عن عمل أيضًا، أعتقد أن بإمكاني التوفيق بين الأمرين إلا أن ذلك عني فقط، أما ما تبقى من الطلاب السوريين فإن الأمر منوط بإرادتهم والقسم الذي يدرسون فيه واللغة التي يدرسون بها"، فيما تعقّب مها على موضوع الاحتياجات المالية للطلاب السوريين في الجامعات التركية: "الواقع المادي صعب بالنسبة للطلاب خصوصًا الشباب منهم، وهناك فقط قلة قليلة من الطلاب يقوم ذووهم بتأمين حاجتهم من المال، أما الأكثرية فهم متأثرون بما يحدث في سورية وعلى الأغلب خسروا مواردهم المالية خلال السنوات الماضية".

يرى عدد من المهتمين بالقضية التعليمية للاجئين السوريين في تركيا، من قائمين عليها ومدراء مكاتب خدمات طلابية، أن الوضع المادي يشكل العائق الأبرز لدخول الجامعات التركية من قبل الشبان اللاجئين، رغم قيام الحكومة التركية بإلغاء رسوم التسجيل في الجامعة، إضافة إلى كون التعليم الجامعي في تركيا مجانياً.

يقول الطالب أنس (21 عامًا) إن القضية لا تقتصر على الرسوم، "بل تتعدى ذلك إلى أجور دورات تعلّم اللغة، إضافة إلى السكن والمواصلات والكتب وغيرها من الحاجات الضرورية التي لا تستطيع تأمينها في تركيا بدون عمل ودخل ثابت، كما أن المكاتب التي تؤمن القبول الجامعي، والتي يقوم عليها سوريون، تأخذ مقابل ذلك مبالغ طائلة لا تقل عن ألف دولار أميركي، وهو مبلغ يعجز اللاجئ الهارب من بلده عن تأمينه".

يتابع: "معظم الشباب السوريين هنا يتمنى قبولًا جامعيًا، وعندما يأتي هذا القبول في مدينة بعيدة، يصاب بخيبة الأمل لعدم وجود مردود مادي كافٍ للإقامة بعيدًا عن أهله في مدينة بعيدة وتحمل مصاريف إضافية".

المساهمون