الدولار يحلّق والسوريون يتهاوون

الدولار يحلّق والسوريون يتهاوون

18 ابريل 2016
انخفاض مدوي لليرة السورية (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
شهدت الفترة الأخيرة تراجعاً مدوياً في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، فبعد استقرار نسبي خلال الشهر الأخير من 2015 حتى منتصف شباط/فبراير، على سعر تراوح بين 390 ليرة حتى 400 ليرة للدولار الواحد، بدأت عملية انخفاض سريعة في الليرة التي فقدت منذ بداية الأزمة أكثر من 90% من قيمتها.
وصل الانخفاض حده الأقصى يوم 27 آذار/مارس بسعر 535 ليرة سورية للدولار الواحد، ومن ثم عاد السعر ليرتفع قليلاً، وليستقر خلال الأسبوعين الأخيرين استقراراً نسبياً بين 490 – 510 ليرات للدولار الواحد في السوق السوداء مقارنة بتلك «البيضاء» العاملة بأسعار المصرف المركزي، والتي تقتصر على المصرف نفسه، وعلى بعض أنواع الحوالات في مؤسسات الصرافة. حيث تتعدد تسعيرات المركزي ما يسمح للمضاربين بهوامش أرباح من خلال عمليات البيع والشراء السريعة المستندة إلى الفروقات بين الأسعار. وليبقى الخاسر الأكبر جراء الفرق الكبير بين السعرين، هو جزء هام من السوريين المعتمدين على حوالات شهرية صغيرة تأتيهم من الأقارب في الخارج. وذلك بعدما ارتفعت تكاليف مستويات المعيشة بشكل كارثي خلال الأشهر القليلة الماضية.


وفي ردود الفعل، يبرر أديب ميّالة، حاكم المصرف المركزي، الارتفاع الأخير بأنّه جزء من سياق "المؤامرة الكونية"، وبأنّه هذه المرة بالذات يأتي رداً على عمليات تدمر وغيرها. على ضفة أخرى، كان لافتاً ترافق وصول سعر الدولار إلى ذروته أواخر شهر آذار/مارس الماضي، مع خروج ما يشبه التظاهرة في سوق الحريقة الدمشقي، وهو التحرك الذي لا يمكن له أن يجري من دون دعم من كبار التجار. بما يعني أنهم أرادوا توجيه رسالة تذمر تجاه سياسات المركزي التي باتت تهدد تجارتهم وأرباحهم.
بعيداً عن التجار الرسميين وغير الرسميين، فقد انعكس التراجع الحاد الأخير في سعر الصرف على الأسعار العامة للبضائع في السوق السورية، ليشكّل ما يشبه كارثة جديدة أحاقت بالسوريين. وقد قدرت دراسة نشرتها جريدة قاسيون السورية، تكاليف المعيشة خلال الأشهر الثلاثة الماضية لأسرة من خمسة أشخاص بما يصل إلى 220 ألف ليرة سورية شهرياً، مقارنة بـ 175 ألف ليرة قبل ثلاثة أشهر، وبارتفاع نسبته 25.7%. بمقابل ذلك، فإنّ متوسط الأجور في سورية ما يزال بحدود 27 ألف ليرة سورية، أي أنّ تكلفة المعيشة الشهرية حالياً تصل إلى ثمانية أضعاف الأجر الوسطي!
من جهة أخرى، وإذا ما قارننا هذه الأرقام بخط الفقر الأعلى وفق معايير البنك الدولي والأمم المتحدة، وهو دولاران للشخص يومياً، فإن الأسرة السورية من خمس أشخاص تحتاج شهرياً إلى 300 دولار، وبأخذ سعر دولار 500 ليرة سورية، وهو وسطي الأسعار خلال الأسبوعين الأخيرين، فإنّ حد الفقر الأعلى السوري سيغدو 150 ألف ليرة سورية. وهو حساب مخفف في نهاية المطاف لأنّ الحسابات الدولية المذكورة لا تأخذ بالاعتبار الحصار الاقتصادي وتداعياته على الأسعار.
في عمق المسألة، فإنّ ما يستحق الوقوف عنده هو أمران أساسيان: الأول أنّ تسريبات كثيرة ملأت سوق الصرافة السورية قبل أكثر من ستة أشهر بأن سعر الصرف سيصل حدود 600 ليرة للدولار، ما يشي بأنّ العملية محضرة مسبقاً وليست عفوية أو نتاجاً لضغط الأزمة المباشر كما يجري الكلام حالياً. والثاني هو أنّ عملية تخفيض سعر الليرة هذه تتناسب تماماً مع مصلحة فئة محددة في سورية، هي تحديداً تلك الفئة التي حققت ولا تزال أرباحاً احتكارية هائلة مستفيدة من ظروف الحرب، ومستندة ومدعومة بشكل كبير من مسؤولي الصف الأول، وهذه الفئة تقوم بتدوير أموالها بشكل أسبوعي وبتحويلها إلى الدولار، ويبدو أنها عمدت خلال الفترة الأخيرة، ومع ظهور إشارات التحول في الوضع السياسي في البلاد، إلى تسريع عملية تأمين أرصدتها في الخارج، ما أحدث ضغطاً إضافياً في طلب الدولار.
إذا كان بائساً توصيف واقع السوريين المعيشي الراهن، فإنّ ما هو أكثر بؤساً، هو التنبؤ بوضعهم اللاحق خلال الأشهر المقبلة في حال استمرت السياسات نفسها، وفي حال استمر تواجد المسؤولين عن هذه السياسات في مواقعهم!

المساهمون