بعد تفاوض امتد على جلسات عدّة، اتفق البرلمانيون في الدنمارك بغالبيتهم - من مختلف الأحزاب السياسية - على التدخل لمصلحة الأطفال ضحايا الطلاق، عبر فرض تأجيل حسم طلاق الزوجين ممّن لديهم أطفال لمدّة ثلاثة أشهر. وهذه الخطوة المتعلقة بنظام جديد لقوانين الأسرة، تهدف إلى مراعاة احتياجات الصغار قبل الكبار، بحسب ما ترى وزيرة الشؤون الاجتماعية والأطفال، ماي ميركادو، من حزب المحافظين.
ولعلّ المشكلة الأساسية التي يعانيها الأطفال ضحايا الطلاق تتعلق بالتشتت مع ما يحمله من تعقيدات نفسية واجتماعية وحقوقية. فأبرز الخلافات بين المطلقين في الدنمارك هي حول التقاسم، خصوصاً تقاسم إقامة أبنائهم ووصول القضايا إلى المحاكم. وكلّ طرف يتمسك بضرورة أن يعيش الأطفال معه، وفي معظم الحالات عند الأم. إلى ذلك، وفي حالات كثيرة، كانت مجالس الدولة للشؤون الأسرية تقحم الصغار في أبحاث تتعلق بحسم العلاقة بين الطرفَين، الوالد والوالدة المطلّقَين.
ويبدو القانون الجديد أكثر ليونة، إذ لم يعد في الإمكان إعلان الطلاق "فورياً"، بل يؤجّل ثلاثة أشهر بهدف التفكير، مع تأمين نوع من الوساطة المحترفة بين الراغبين في الطلاق. كذلك، سوف يصير تقاسم سكن الأطفال بين الأبوَين ممكناً. بالتالي، يمكن لكلّ واحد من الأبوَين تلقّي نصف قيمة المساعدة المالية التي تخصصها الدولة للأطفال والشباب.
بالنسبة إلى المنظمات المحلية التي تُعنى بحقوق الطفل، فإنّ تأجيل الطلاق والدخول في وساطة بين الطرفَين لأشهر أمر جيّد للصغار، ومن شأنه حلّ مشاكل كثيرة مرتبطة بقوانين طلاق اليوم. هذا ما يوضحه مدير منظمة "أوضاع الطفولة" راسموس كيلدهال الذي يقول في تصريحات إعلامية إنّ المنظمة "تقدّم العون النفسي عبر خطوط ساخنة مخصصة للأطفال، يستطيعون من خلالها الاتصال مع الحفاظ على سرّيتهم، ومشاركة المشكلات التي يعانون منها في بيوتهم. ويأتي ذلك بالإضافة إلى تدخلها الحاسم لفصل الأطفال عن أهلهم حين يكون الوضع سيئاً جداً، من قبيل التعرّض لتحرّش أو سوء التربية أو نقص التغذية والاهتمام، أو العنف". ويشرح كيلدهال أنّه "سوف يكون من السهل الضغط على الوالدَين للتوصل إلى اتفاق حول من يدفع ماذا. بذلك نتجنب النزاعات التي قد تنشأ، خصوصاً تلك التي يجد فيها الأطفال أنفسهم تحت ضغط من قبل الطرفين". من جهتها، أصدرت منظمة "أنقذوا الطفولة" بياناً رأى فيه مديرها العام يوناس ليندهولم أنّ ما جرى "خطوة إيجابية ومشجعة، إذ يصار إلى وقف الطلاق السريع والمرهق للأطفال، مع كل ما يحمله ذلك من حماية للصغار تعلو فوق كل الاعتبارات الأخرى".
تبدو عائلة سعيدة (العربي الجديد) |
وفي حالات الطلاق التي تُسجَّل في الدنمارك، يكون الخلاف حول الأطفال عادة هو الأبرز، بحسب ما تبيّن دراسات لمركز الإحصاء الدنماركي. وتبيّن الأرقام الرسمية التي يرصدها المركز والتي تشمل عام 2017، أنّ الدنماركيين يطلقون أكثر كلما كان أطفالهم أصغر سناً. أمّا الذين لديهم طفل دون العام من عمره، فتصل نسبتهم إلى 66 في المائة من مجموع المطلقين. ويلاحظ الباحثون أنّه كلما زاد عمر الطفل انخفضت نسب الطلاق، خصوصاً حين يبلغ سنّ المراهقة.
وتفيد وزارة الشؤون الاجتماعية والأطفال في كوبنهاغن بأنّ العام الماضي 2017 شهد 15 ألفاً و265 حالة طلاق، في حين تسعى الأحزاب السياسية اليوم وكذلك المشرّعون إلى خفض تلك الحالات من خلال مزيد من الوساطة لحلّ النزاعات الناشئة. ومن المتوقّع أن يبدأ تطبيق التشريع الجديد الهادف إلى إيجاد حلول بمشاركة محاكم الأسرة والوزارة، في إبريل/ نيسان من عام 2019.
تجدر الإشارة إلى أنّ أبرز النقاط في التشريع الجديد تنصّ على حقّ مؤسسات الدولة في التدخل عبر إجراءات تجعل مصلحة الطفل أولاً، في حين يصار خلال الأشهر المقبلة إلى تشكيل "وحدة الأطفال" التي تُعنى بمصالحهم من خلال وجود شخص بالغ معهم بصورة دائمة خلال الحديث عن الطلاق. كذلك تنصّ على إلغاء الطلاق السريع في المحاكم ومجالس الدولة وتأخيره لأشهر، على أن يُنشأ "بيت الأسرة" الذي تديره السلطات والذي يجري عملية فحص ومسح لحقيقة ما يجري، بدلاً من الأخذ بادعاءات الأطراف المتنازعة، بالإضافة إلى حلّ النزاعات ووقف الطلاق إذا أمكن عبر تدخل مباشر من السلطات الحكومية بالتعاون مع وحدات الشؤون الاجتماعية في البلديات المختلفة. ويكون "بيت الأسرة"، كهيئة رسمية، مسؤولاً عن إلزام أحد الأبوَين بتنفيذ التعهدات والواجبات. وفي حال الاتفاق على الطلاق، فسوف يكون للأبوَين الحق في تشارك سكن الأطفال. أمّا في حالات الطلاق القائمة على العنف الزوجي، فيجري التعامل بطريقة مختلفة.