الدبّ الروسي يغزو أوروبا

16 مايو 2015
رئيس وزراء اليونان مع الرئيس الروسي (Getty)
+ الخط -
لطالما صرح مسؤولون في حكومة الحزب اليساري سيريزا في اليونان، بأن لديهم خيارات متعددة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعصف ببلادهم، ملمحين بذلك إلى علاقاتهم الجيدة مع روسيا، واعتمادهم على مشروعاتها في مجال الطاقة لنيل حصة من الأرباح.
هذه التصريحات تعززت مع زيارة رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس إلى موسكو أوائل أبريل/نيسان الماضي برفقة وفد كبير من مسؤولي حكومته، حيث حرص الجانبان على إظهار أن ثمة علاقات خاصة بين الطرفين، في رسالة موجهة بشكل خاص للاتحاد الأوروبي.
فروسيا لها مصلحة في وجود دولة عضو داخل الاتحاد الأوروبي تعرقل قرارات الاتحاد المعادية لموسكو، وهو ما قام به بالفعل وزير خارجية اليونان نيكولاس كوتزياس أخيرا، حيث ندّد بقرار أوروبي متشدد نحو روسيا، معتبراً أن اليونان لم يؤخذ رأيها في الموضوع.
أما أثينا فكانت تلمح منذ البداية إلى أنها قادرة على إيجاد مساعدات بتسهيلات من روسيا أو الصين، وإن كان رئيس الوزراء اليوناني أكد خلال زيارته لموسكو، أن مشكلة اليونان أوروبية، وأن حلها يجب أن يكون أوروبياً.
الزيارة خرجت بتفاؤل يوناني في مسألتين: أولاً، تخفيف الحظر الروسي على استيراد المنتجات الزراعية اليونانية، التي حظرتها موسكو، في ردٍ منها على العقوبات الأوروبية، وهو ما لم يظهر له أي أثر عملي حتى اليوم، وثانياً وعود روسية بمرور خط الغاز الروسي ـ التركي عبر اليونان، لتنال أثينا حصتها من الطاقة الروسية الرخيصة ومن عمولة مرور الخط عبر أراضيها باتجاه بلدان وسط أوروبا.
آمال أثينا تجاوزت ما سبق ذكره، حيث ذكر مسؤولون يونانيون أن روسيا مستعدة لتقديم دفعات من عمولة أثينا على مرور الغاز عبر الأراضي اليونانية مقدماً، كما أنها مستعدة لتمويل مدّ الخط وحدها ومعاملة أثينا بشكل تفضيلي في أكثر من مجال.
ولم تخلُ زيارة تسيبراس حينها من انتقادات من الشركاء الأوروبيين، الذين طالبوه بعدم تجاوز الخطوط الحمراء، ومن انتقادات أميركية اعتبرت أن توقيت الزيارة ليس مناسباً، وأنه كان من الأفضل لأثينا أن توحد جهودها مع الشركاء الأوروبيين لمواصلة الضغوط على موسكو بهدف دفع الأخيرة للتوقف عن تأجيج الصدامات في شرق أوكرانيا، كما ذكر الناطق باسم البيت الأبيض.
وفيما لم يظهر حتى اليوم أي تطور في ملف استئناف تصدير الصادرات الزراعية اليونانية إلى روسيا، فقد أبدت موسكو اهتماماً بموضوع خط الغاز، حيث زار أليكسي ميلر، رئيس شركة غاز بروم الروسية، أثينا في نهاية أبريل/نيسان الماضي، حيث التقى برئيس الوزراء ومسؤولين يونانيين آخرين. وتطرق الجانبان إلى إسهام شركات روسية في البحث عن مخزونات الهيدروكربونات في المياه اليونانية.
وتقدر تكلفة مد خطّ الغاز "تركيش ستريم" ابتداءً من الحدود التركية اليونانية حتى الحدود اليونانية المقدونية بحوالى 2 مليار يورو، فيما تطمع اليونان أن يوفر هذا الخط حوالى 2000 فرصة عمل.
لكن المسؤولين اليونانيين كانوا، على ما يبدو، على عجلة من أمرهم في إظهار تفاؤلهم، حيث إن التعقيدات التقنية وحدها كفيلة بجعل المشروع يبدأ عام 2019، دون أن يحسب المرء حساب التعقيدات السياسية الكفيلة بإنهاء المشروع من أصله.
وأخيراً ذكرت صحيفة "توفيما" اليونانية المعارضة أن عاموس هواشتاين، وسيط شؤون الطاقة في وزارة الخارجية الأميركية، نقل للمسؤولين اليونانيين قلق الحكومة الأميركية من مد خط الغاز الروسي ضمن حدود اليونان، وذلك خلال القمة المشتركة بين الطرفين في 7 و8 من شهر مايو/أيار الجاري.
وذكرت الصحيفة أن السفارة الأميركية في اليونان أصدرت بياناً قالت فيه إن الولايات المتحدة قلقة من احتمال مد الخط التركي في اليونان، لأنها تعتقد أنه لن يزيد من امتياز اليونان في مجال الطاقة، ومن المحتمل أن يولّد قلقاً لدى السلطات الأوروبية.

اقرأ أيضا: يونان ما قبل السقوط

وحسب بيان السفارة، فإن المسؤول الأميركي التقى بمسؤولين يونانيين، مؤكداً لهم دعم وزير الخارجية الأميركي جون كيري لتميز اليونان وتوسيع استخدام الغاز الطبيعي المسال في مجال الطاقة، عبر مساعدتها في دخول برامج مثل خط غاز تاب.

وخط غاز "تاب"، الممتد من أذربيجان وسيمر من بحر قزوين إلى اليونان ثم عبر البحر إلى إيطاليا وغرب أوروبا، يشكل ضربة لشركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم.
وتبلغ تكلفة المشروع 1.5 مليار يورو (1.98 مليار دولار)، ويبلغ طوله 800 كيلومتر. وتتراوح الطاقة التشغيلية للخط بين 10 و20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا.
واعتبر البيان الأميركي أن هذه المشروعات تعزز أمان اليونان في مجال الطاقة، وتخفف من اعتمادها على مزود واحد بالغاز الطبيعي، كما تخفض أسعار الغاز على المستهلكين المحليين.
عبداللطيف درويش، أستاذ الاقتصاد والتنمية في جامعة أثينا، قال لـ"العربي الجديد"، إن سياسة الولايات المتحدة الهادفة إلى السيطرة على أوروبا سياسياً واقتصادياً كانت ولا تزال تقوم على مبدأ "روسيا في الخارج، أميركا في الداخل، ألمانيا في الأسفل".
ويضيف درويش، أن الولايات المتحدة تسعى دوماً إلى إبعاد الروس، مشيرا إلى أن تبادلات نفعية مثل لجوء اليونان إلى موسكو وإدخالها إلى المنطقة عبر استثمارات اقتصادية ومد خط الغاز وعقد اتفاقيات سياسية واقتصادية، مقابل تسهيلات يونانية للأسطول الروسي في المتوسط، تغضب بالتأكيد أميركا وتقوّض سياسة العقوبات الأوروبية على روسيا بسبب الصراع في أوكرانيا.
وأضاف أن روسيا وعدت اليونان بتقديم حوالى 6 مليارات يورو كنسبةٍ من الأرباح التي سيجنيها خط الغاز، لكنها ستستفيد في المقابل عبر التسهيلات التي ستمنحها أثينا لأساطيلها في المتوسط، وعبر سعي أثينا لكسر الحصار الاقتصادي الأوروبي على موسكو.
وقال إن ثمة وعوداً روسيةً بتغطية حاجات المصارف اليونانية في حال خرجت أثينا من حزمة اليورو، وهذا مزعج بدوره للأميركيين والأوروبيين.
وأكد أن خط الغاز يوفر لليونان فرص عمل وسيولة وقوة ضغط مقابل المفاوضين الأوروبيين، مشدداً على أن تصريحات المسؤولين اليونانيين المؤكدة على سعيهم إلى حل أوروبي لمشكلة بلادهم، تهدف إلى عدم استفزاز المسؤولين الأوروبيين.
واستبعد درويش تراجع اليونان عن خط الغاز بفعل الضغوط الأوروبية أو الأميركية، لأن السوق اليوناني سيستفيد من المشروع، لكنّ الممكن عملياً هو تحجيم مستوى التنسيق الروسي- اليوناني، حسب قوله.

اقرأ أيضا: التنين الصيني ينقذ بوتين
المساهمون