تأثير كبير لانحسار السياحة على إيرادات الدولة (فرانس برس)
15 يوليو 2020
+ الخط -


تعاني الحكومة المصرية من نقص ملحوظ في الإيرادات العامة، شأنها في ذلك شأن معظم دول العالم التي تأثرت إيراداتها بجائحة كورونا، وتوقف الأنشطة الاقتصادية والتجارية وحركة السياحة والسفر، وحدوث شلل في الاستثمارات الأجنبية ونزوحها نحو الأسواق والأدوات الآمنة مثل الدولار وسندات الخزانة الأميركية

فهناك تراجع في الإيرادات الضريبية التي تمثل 80% من إيرادات الخزانة المصرية، وهو ما اعترف به محمد معيط، وزير المالية يوم 8 يونيو/ حزيران الماضي، إذ قال إن الإيرادات العامة الضريبية وغير الضريبية انخفضت بنحو 124 مليار جنيه، نتيجة تأثر الأوضاع الاقتصادية بتداعيات أزمة كورونا. وعاد يوم 22 يونيو ليؤكد أن جائحة كورونا أكلت 125 مليار جنيه من الإيرادات المتوقعة للميزانية في العام المالي 2019-2020 الذي انتهى يوم 30 يونيو الماضي. 

وبالنسبة للعام المالي الحالي الذي بدأ بداية شهر يوليو/ تموز الجاري فقد توقعت الحكومة المصرية انخفاض الإيرادات العامة من 1.288 تريليون جنيه كانت مستهدفة قبل الجائحة إلى 1200 تريليون بنسبة 6.8 بالمائة وبتراجع 88 مليار جنيه، وذلك في حالة استمرار الوباء حتى نهاية عام 2020، أما إذا امتدت الجائحة حتى يونيو 2021 ستنخفض الإيرادات العامة من 1288 تريليون جنيه إلى 1108 تريليونات، بنسبة 14.1% وبما يعادل 180 مليار جنيه.

موقف
التحديثات الحية

والتراجع في الإيرادات المصرية أمر طبيعي ومتوقع مع إصابة بعض القطاعات الاقتصادية المهمة بالشلل كما حدث مع قطاع السياحة، وبسبب التراجع الحاد في إيرادات النقد الأجنبي من أنشطة تحويلات المغتربين، وقناة السويس، والصادرات، والاستثمارات الأجنبية، والبترول والغاز الطبيعي.

وقد يفوق التراجع المتوقع تقديرات الحكومة، خاصة مع ارتباط الاقتصاد المصري الشديد بالعالم الخارجي، فمع الموجة الثانية من كورونا لا نتوقع تعافياً سريعاً للسياحة المصرية، في ظل استمرار القيود التي تفرضها الدول على حركة الطيران، وتخوف السائح الأجنبي من السفر خوفاً من الإصابة بالفيروس. 

ومع زيادة المخاطر العالمية لا نتوقع عودة سريعة للاستثمارات الأجنبية المباشرة والأموال الساخنة للأسواق الناشئة بما فيها مصر، ومع بطء حركة التجارة الدولية لا نتوقع عودة إيرادات قناة السويس إلى معدلها الطبيعي في المستقبل القريب.

ومع استمرار أزمة تهاوي أسعار النفط، والمعاناة الشديدة التي تمر بها الاقتصاديات الخليجية جراء جائحة كورونا، فإن زيادة تحويلات المصريين العاملين في دول الخليج أو حتى المحافظة على أرقام 2019 باتت محل شك، خاصة مع سياسة التسريحات الجماعية للعمالة الوافدة التي تطبقها بعض حكومات هذه الدول.

صحيح أن الحكومة المصرية عوضت تراجع الإيرادات الحالية عبر التوسع الملحوظ في الاقتراض الخارجي والمحلي، فقد اقترضت من الخارج نحو 13 مليار دولار في شهرين فقط، ولا يزال هذا التوسع مستمراً ومتوقعاً مع استمرار جائحة كورونا، لكن في المقابل بدأت الحكومة البحث عن إيرادات جديدة تعوض نقص الإيرادات الضريبية وتشفط من خلاله ما تبقى في جيب المواطن، وهو ما يخالف ما تقوم به حكومات كل دول العالم.

فمع اندلاع أزمة كورونا قامت حكومات العالم بضخ سيولة ضخمة في الأسواق والاقتصاد لمنع انهيارها، وتفادي حالات الإفلاس والتعثر المالي، والمحافظة على حيوية الأسواق، وضمان الإقبال على البضائع والسلع والخدمات، ودفعت هذه الحكومات رواتب للعاطلين عن العمل، ومنحت مساعدات مالية للشركات للمحافظة على العمالة بها وسداد رواتبهم، وخففت الضرائب والأعباء المعيشية عن المواطن، وأجّلت سداد القروض. كما ساندت أصحاب الدخول المنخفضة والعمالة الموسمية. وقد قدر صندوق النقد الدولي حجم الأموال التي ستضخّها حكومات العالم بنحو 10 آلاف مليار دولار.

أما في مصر فإن العمل جارٍ على قدم وساق لفرض مزيد من الضرائب والرسوم والأعباء المالية على المواطن، وخفض الدعم المقدم للسلع والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والبنزين والسولار والغاز، وبالتالي ارتفاع أسعارها وتكلفته على المواطن.

فهناك رسوم إضافية عند تجديد السيارات، ورسوم على السجائر، وزيادة في تذاكر المواصلات العامة، وضرائب على مواقع التجارة الإلكترونية، واقتطاع 1% من رواتب موظفي الدولة، حتى أصحاب المعاشات نالهم هذا الاقتطاع، وهناك رسوم على استهلاك البنزين والسولار، وعلى الحفلات والخدمات الترفيهية التي تقام في الفنادق والمحال العامة السياحية أو غيرها من الأماكن العامة، ورسوم على أغذية الكلاب والقطط والطيور الأليفة للزينة، والأحدث قرار منع تراخيص السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين واقتصارها على تلك التي تعمل بالغاز، علما بأن التحويل من البنزين إلى الغاز تتكلف ما بين 6 و8 آلاف جنيه للسيارة الواحدة.

والنتيجة المتوقعة للتوسع في فرض مزيد من الرسوم والأعباء على المواطن المصري هو حدوث شلل بالأسواق، وكساد في حركة الاستهلاك، وهو ما يعمّق ركود الاقتصاد، ويسرّع من حركة إغلاق المصانع وتعثر أنشطة القطاع الخاص، وبالتالي القذف بعشرات الآلاف من العمال في الشوارع، وتأثر الصادرات، أبرز مورد للنقد الأجنبي، سلباً، خاصة أن المصنعين والمنتجين يعانون أصلاً من مشاكل لا حصر لها، منها زيادة تكلفة الإنتاج والطاقة والفساد وغيرها. 

وإذا أصيب الاقتصاد بالركود فإن إيرادات الضرائب ستتراجع، وهو ما يصيب الإيرادات العامة في مقتل، خاصة مع اعتماد الحكومة الكلي على حصيلة الضرائب في سداد الرواتب وأعباء الديون واستيراد القمح والأغذية ودعم الخبز وتمويل المشروعات العامة وتسيير أمور الدولة، ومع تراجع الضرائب تسرع الحكومة الخطى نحو مزيد من الاقتراض، وفرض أعباء جديدة على المواطن من ضرائب ورسوم وزيادة في الأسعار، وهكذا تدور الحكومة والمواطن في حلقة مفرغة.

المساهمون