الجزائر: بلخادم .. نهاية الرجل "الشامل" لكل الأدوار

30 اغسطس 2014
بلخادم كان وسيطاً بين السلطة والإسلاميين (فرانس برس/Getty)
+ الخط -

ليست سوى نهاية رجل سياسي حاول أن يؤدي الأدوار كلها ومع الأطراف كلها، السلطة والمعارضة والوسيط بينهما. هكذا يبدو قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، إبعاد مستشاره الخاص ووزير الدولة عبد العزيز بلخادم، ومنعه من شغل أي منصب حكومي أو سياسي في حزب "جبهة التحرير الوطني".

فعلى مدار 15 عاماً، قدّم الأخير نفسه كـ"خادم للسلطة" وداعم لكل سياسات بوتفليقة، ومبشّر به في كل العهود الرئاسية الأربعة منذ أعاده هذا الأخير إلى الحياة السياسية في عام 2000 بعد عقد من التهميش والحصار السياسي، الذي فرضه عليه قادة الجيش نتيجة مواقفه الداعية إلى الحوار مع "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، خلال المصالحة الوطنية في التسعينيات، ودعمه ندوة "سانت إيجيديو"، التي عقدتها المعارضة في روما الإيطالية، وشارك فيها الأمين العام الأسبق لحزب "جبهة التحرير الوطني" عبد الحميد مهري في نهاية عام 1994.

كما حاول بلخادم أن يؤدي دور المعارض السياسي خلال تلك الفترة، ونشط في مجموعة "السلم"، التي تضم معارضين سياسيين، وتطالب بالمصالحة الوطنية. وبعد عودته إلى السلطة احتفظ بلخادم بصلة قوية مع المعارضة.

بعد الاطاحة ببلخادم من "جبهة التحرير الوطني"، يكون الطريق قد خلا للأمين العام للحزب الحالي، عمار سعداني، المحسوب على بوتفليقة، والمقرّب من سعيد، شقيق الرئيس، إذ أن ابعاد بوتفليقة بلخادم من المناصب الرسمية والسياسية بهذه الطريقة، ينهي بشكل تام تياره داخل الحزب ويدفع بأنصار بلخادم إلى إنهاء معارضتهم سعداني والدخول إلى صف الطاعة. وهو أمر سيستفيد منه تيار سعداني، ولا سيما مع قرب انعقاد المؤتمر العام للحزب في يناير/كانون الثاني المقبل، كما سيكون له تأثير على صعيد تركيب القوائم الانتخابية للحزب في الانتخابات البرلمانية المتوقعة بعد تعديل الدستور نهاية السنة الحالية.

تأثير الإطاحة ببلخادم لن يقتصر على الحزب، بل إن بعض الوزراء، الحاليين والسابقين، المنتمين إلى حزب "جبهة التحرير الوطني" والمحسوبين على بلخادم، والذين لديهم طموح للبقاء في الحكومة، أو العودة إليها، سيكون من الصعوبة بمكان الاستمرار في طموحهم السياسي، وهو أمر يمكن أن يُعطي صورة أولى عن التعديل الحكومي المرتقب في نهاية سبتمبر/أيلول المقبل، وفق بعض المصادر الحكومية. كما أنه يزيد من مخاوف الوزراء والمسؤولين في كل هياكل الدولة والمؤسسات الرسمية، من غضب عاصف لبوتفليقة قد يؤدي بهم إلى نهاية بلخادم نفسها.

وبغض النظر عن الخسارة السياسية لبلخادم، تبدو السلطة خاسرة لشخص يتقن لعبة الوساطة السياسية مع المعارضة، فقد كان الرجل خير وسيط بين السلطة والإسلاميين في بداية حكم  بوتفليقة. كما لجأ الأخير إلى تعيين بلخادم رئيساً للحكومة في 2005، قبيل طرح مشروع المصالحة الوطنية، الذي سمح بإنهاء العنف وتسوية ووقف المتابعة القضائية ضد المسلحين، الذين قبلوا تسليم السلاح. وكان هذا التعيين يستهدف اقناع الأطراف الإسلامية والمعارضة بالمساهمة في هذا المشروع، الذي يعيد الأمن والاستقرار إلى البلاد، ولا سيما أن بلخادم كان من أكثر الفاعلين في ملف المصالحة الوطنية، وملف العلاقات الجزائرية العربية، وكذلك القضية الفلسطينية.

لكن الإطاحة ببلخادم من قبل بوتفليقة، بالطريقة التي حصلت،  في نظر الكثيرين، مؤشر على التوجه نحو الحكم الفردي وخروج عن العرف السياسي، الذي ورثته الجزائر عن ثورتها في ما يتعلق بالقيادة الجماعية والتوافقية، وانفراد الرئيس بحزب "جبهة التحرير الوطني"، الذي يحوز الأغلبية في البرلمان بــ 218 مقعداً من مجموع 463 مقعداً.

صحيح أن "جبهة التحرير الوطني" كحزب رافد للبلاد منذ الاستقلال وحتى انتفاضة التعددية السياسية عام 1988، ظل في صورة الحزب/ الجهاز، الذي تديره السلطة كيفما تريد لتمرير مشاريعها السياسية، لكنه بقي على الأقل في يد الدولة والسلطة التي تحكم، إلا أنه بات في العقد الأخير في يد رجل واحد يدير دفته ومصيره وتوجهاته، وهو بوتفليقة، الذي يُعد رئيساً شرفياً للحزب، وفقاً للقانون الداخلي.
هذا الوضع يفسّر الطريقة، التي تصرف فيها بوتفليقة في إنهاء نضال بلخادم ومنعه من النشاط في الحزب، على الرغم من أن قراراً كهذا كان يتطلب اجتماع لجنة الانضباط التابعة للحزب واستعراض الخطيئة السياسية، التي قام بها بلخادم مع منحه حق الدفاع عن نفسه في اللجنة قبل اتخاذ قرار بتجميد عضويته أو فصله نهائياً من الحزب.

في المشهد العام أيضاً، وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت بوتفليقة إلى الانتقام من بلخادم، فإن تصريح الأخير عن تورّط مصر في العدوان على غزة، ومشاركته في اجتماع للمعارضة، كلها دلائل على منحى جديد يتأسس في السلوك السياسي للنظام الحاكم في الجزائر، وهو نظام بدأ يضيق من دوائر القرار ويتجه إلى شخصنة الرغبات والقرار الفردي.

المساهمون