27 أكتوبر 2024
التطبيع بين التكنوقراط والسياسي
ضجة في تونس مرشحة لتتواصل أياماً أخرى، والسبب السماح لـ 61 من حاملي الجوازات الإسرائيلية بدخول الأراضي التونسية. رأى أعضاء في المجلس الوطني الـتأسيسي وأحزاب وجمعيات ووسائل إعلام، في ذلك، تطبيعاً مع الكيان الصهيوني، ومساساً خطيراً بسيادة البلاد، وخروجاً عن الثوابت العربية للدبلوماسية التونسية. وفي المقابل، اعتبرت الحكومة أن المسألة لا تتضمن أي مؤشر إلى تغيير في الموقف الداعم للقضية الفلسطينية.
ما حدث أن وزيرة السياحة في حكومة التكنوقراط تعمل منذ توليها المسؤولية على تنشيط قطاع السياحة الذي يعاني من ركود خطير. وبدأت هذه الجهود تؤتي نتائج، وإن كانت لا تزال محدودة. اتفقت الوزيرة مع كبريات الوكالات العالمية على إدراج تونس ضمن محطاتها الرئيسية، في رحلاتها البحرية والجوية. وعلى متن إحدى هذه البواخر، كان أولئك الإسرائيليون. وهنا، وجدت الحكومة نفسها أمام أحد الخيارين. أن تمنع دخولهم فتعيد بذلك الأزمة مع هذه الشركات، أو أن تسمح لهم بالدخول، وتبحث لذلك عن مبرر، وتتحمل التداعيات السياسية، في مرحلة لم تعد السلطة التنفيذية تنفرد وحدها بالقرار.
التبرير الذي استند إليه رئيس الحكومة، مهدي جمعة، أن ما حصل يندرج ضمن خطةٍ تهدف إلى إنجاح موسم الحج إلى "معبد الغريبة" اليهودي في جزيرة جربة، وهو موسم ينظم سنوياً من فترة طويلة. وبالتالي، ما حصل ليس بدعة، إضافة إلى أن المصلحة الاقتصادية للبلاد تفرض، اليوم، تشجيع أكبر عدد من اليهود على القدوم، بل ذهبت وزيرة السياحة إلى أكثر من ذلك، عندما اعتبرت أن أتباع الديانات الأخرى، من مسيحيين ومسلمين، يجب أن يشاركوا في المناسبة، لإبراز أن تونس هي أرض التسامح.
إذا تجاوزنا هذه الحادثة التي لها تفاصيل كثيرة، ووجهات نظر متعددة، ماذا نلاحظ؟
أولاً: يقر التكنوقراط، منذ البداية، بأنه ليس رجلاً سياسياً، ويأمل أن يقع إبعاده عن التجاذبات الحزبية. فهو ينظر لنفسه، فنياً أو خبيراً، يقدم نفسه كشخصيةٍ، لها قدرة تقنية على معالجة الملفات المعقدة. لكن المشكلة تكمن في أن إدارة دولة أمر يختلف جذرياً عن إدارة شركة. الدولة هي المسكن الرئيسي للسياسة، مسك بدواليبها زعيم أو جنرال أو فنان، أو فيلسوف، أو تكنوقراط، فإن الأفعال والمواقف التي يعلن عنها ستكون سياسية بامتياز. لهذا، فإن السماح بدخول حامل جواز سفر إسرائيلي للحج أو للمشاركة في ندوة علمية، إجراء سياسي، يفترض في نظام ديمقراطي التشاور مع الأطراف المعنية بوضع السياسات، خصوصاً بالنسبة لحكومةٍ لا تستمد شرعيتها من الشارع عبر صندوق الاقتراع، وإنما من دعم معنوي مؤقت، من الأحزاب والمجتمع المدني.
ثانياً: مناهضة التطبيع مع إسرائيل قضية جدية، وليست مفتعلة. فتونس منخرطة، بالكامل، في الصراع ضد المشروع الصهيوني، ولا يحق لها أن تنفرد بأي إجراءٍ، يضعها في حالة تعارض مع الحقوق الشرعية الفلسطينية. لكن ذلك لا يعني خلط الأوراق، وتعريض المصالح الحيوية لتونس في مهب الريح، أو إرباك الحكومة في مرحلة دقيقة وهشة.
يجب التمييز بين ضرورة حماية احترام حق اليهود، غير التونسيين، في زيارة ما يعتقدون أنه مكان مقدس، باعتباره أقدم معبد يهودي في العالم، والتطبيع الثقافي والسياحي مع إسرائيل. تونس يجب أن تبقى بلداً مفتوحا للجميع، لكن، من واجبها، أيضاً، أن تساهم في ممارسة الضغط على قادة إسرائيل، ليتراجعوا عن الاستمرار في تنفيذ مشروعهم الاستيطاني، ورفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في أرضهم، وإقامة دولتهم المستقلة.
قد تبدو هذه المعادلة صعبة، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار قدرة اللوبيات العالمية الماسكة بقطاع السياحة، ولهذا، سيكون من مصلحة حكومة مهدي جمعة أن تطرح المسألة على مائدة الحوار الوطني، أو أن ترحلها إلى ما بعد الانتهاء من المرحلة الانتقالية. أما بالنسبة للمعارضين، فعليهم تجنب خلط الأوراق، والتعامل بمسؤولية كبيرة مع المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد. صحيح أن هناك قضايا مبدئية، يجب عدم السكوت عنها، لكن، في المقابل، هناك دولة قد تصبح مهددة بالإفلاس. لا يعني ذلك أن مستقبل تونس أصبح بيد تل أبيب، وإنما هناك مسؤولية جماعية نحو تحقيق هدف وطني مشترك، هو إتمام المرحلة الانتقالية بأقل ما يمكن من المجازفة والكلفة.
ما حدث أن وزيرة السياحة في حكومة التكنوقراط تعمل منذ توليها المسؤولية على تنشيط قطاع السياحة الذي يعاني من ركود خطير. وبدأت هذه الجهود تؤتي نتائج، وإن كانت لا تزال محدودة. اتفقت الوزيرة مع كبريات الوكالات العالمية على إدراج تونس ضمن محطاتها الرئيسية، في رحلاتها البحرية والجوية. وعلى متن إحدى هذه البواخر، كان أولئك الإسرائيليون. وهنا، وجدت الحكومة نفسها أمام أحد الخيارين. أن تمنع دخولهم فتعيد بذلك الأزمة مع هذه الشركات، أو أن تسمح لهم بالدخول، وتبحث لذلك عن مبرر، وتتحمل التداعيات السياسية، في مرحلة لم تعد السلطة التنفيذية تنفرد وحدها بالقرار.
التبرير الذي استند إليه رئيس الحكومة، مهدي جمعة، أن ما حصل يندرج ضمن خطةٍ تهدف إلى إنجاح موسم الحج إلى "معبد الغريبة" اليهودي في جزيرة جربة، وهو موسم ينظم سنوياً من فترة طويلة. وبالتالي، ما حصل ليس بدعة، إضافة إلى أن المصلحة الاقتصادية للبلاد تفرض، اليوم، تشجيع أكبر عدد من اليهود على القدوم، بل ذهبت وزيرة السياحة إلى أكثر من ذلك، عندما اعتبرت أن أتباع الديانات الأخرى، من مسيحيين ومسلمين، يجب أن يشاركوا في المناسبة، لإبراز أن تونس هي أرض التسامح.
إذا تجاوزنا هذه الحادثة التي لها تفاصيل كثيرة، ووجهات نظر متعددة، ماذا نلاحظ؟
أولاً: يقر التكنوقراط، منذ البداية، بأنه ليس رجلاً سياسياً، ويأمل أن يقع إبعاده عن التجاذبات الحزبية. فهو ينظر لنفسه، فنياً أو خبيراً، يقدم نفسه كشخصيةٍ، لها قدرة تقنية على معالجة الملفات المعقدة. لكن المشكلة تكمن في أن إدارة دولة أمر يختلف جذرياً عن إدارة شركة. الدولة هي المسكن الرئيسي للسياسة، مسك بدواليبها زعيم أو جنرال أو فنان، أو فيلسوف، أو تكنوقراط، فإن الأفعال والمواقف التي يعلن عنها ستكون سياسية بامتياز. لهذا، فإن السماح بدخول حامل جواز سفر إسرائيلي للحج أو للمشاركة في ندوة علمية، إجراء سياسي، يفترض في نظام ديمقراطي التشاور مع الأطراف المعنية بوضع السياسات، خصوصاً بالنسبة لحكومةٍ لا تستمد شرعيتها من الشارع عبر صندوق الاقتراع، وإنما من دعم معنوي مؤقت، من الأحزاب والمجتمع المدني.
ثانياً: مناهضة التطبيع مع إسرائيل قضية جدية، وليست مفتعلة. فتونس منخرطة، بالكامل، في الصراع ضد المشروع الصهيوني، ولا يحق لها أن تنفرد بأي إجراءٍ، يضعها في حالة تعارض مع الحقوق الشرعية الفلسطينية. لكن ذلك لا يعني خلط الأوراق، وتعريض المصالح الحيوية لتونس في مهب الريح، أو إرباك الحكومة في مرحلة دقيقة وهشة.
يجب التمييز بين ضرورة حماية احترام حق اليهود، غير التونسيين، في زيارة ما يعتقدون أنه مكان مقدس، باعتباره أقدم معبد يهودي في العالم، والتطبيع الثقافي والسياحي مع إسرائيل. تونس يجب أن تبقى بلداً مفتوحا للجميع، لكن، من واجبها، أيضاً، أن تساهم في ممارسة الضغط على قادة إسرائيل، ليتراجعوا عن الاستمرار في تنفيذ مشروعهم الاستيطاني، ورفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في أرضهم، وإقامة دولتهم المستقلة.
قد تبدو هذه المعادلة صعبة، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار قدرة اللوبيات العالمية الماسكة بقطاع السياحة، ولهذا، سيكون من مصلحة حكومة مهدي جمعة أن تطرح المسألة على مائدة الحوار الوطني، أو أن ترحلها إلى ما بعد الانتهاء من المرحلة الانتقالية. أما بالنسبة للمعارضين، فعليهم تجنب خلط الأوراق، والتعامل بمسؤولية كبيرة مع المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد. صحيح أن هناك قضايا مبدئية، يجب عدم السكوت عنها، لكن، في المقابل، هناك دولة قد تصبح مهددة بالإفلاس. لا يعني ذلك أن مستقبل تونس أصبح بيد تل أبيب، وإنما هناك مسؤولية جماعية نحو تحقيق هدف وطني مشترك، هو إتمام المرحلة الانتقالية بأقل ما يمكن من المجازفة والكلفة.