البرلمان البريطاني يصوت على بدائل "بريكست"... وماي تحشد لتصويت ثالث على اتفاقها

27 مارس 2019
عمليات تصويت "إرشادية" مرتقبة بالبرلمان (جاك تايلور/Getty)
+ الخط -
يعود البرلمان البريطاني ليستكمل جلسات تصويته على "بريكست"، اليوم الأربعاء، بعدما هزم الحكومة، الإثنين، وانتزع سلطة تحديد جدول أعماله، ليستغل الخطوة في التصويت على بدائل للاتفاق الذي توصّلت إليه رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي للخروج من التكتل.

وتقدّم النواب البريطانيون بستة عشر مقترحاً، يقوم المتحدث باسم البرلمان جون بيركو، بانتقاء عدد منها للتصويت مساء اليوم.

وتعود الحصة الأكبر من هذه المقترحات إلى خطط "بريكست" مخفف، والتي تشمل مقترحاتها عضوية في اتحاد جمركي أو السوق المشتركة أو كليهما.

كما توجد مقترحات أخرى دفع بها متشددو "بريكست"، تطالب بتأكيد ضرورة احترام نتائج استفتاء عام 2016، وتقترح نماذج تشدد على الانسحاب من الاتحاد باتفاق أو من دونه. كما تم طرح سيناريو إجراء استفتاء ثانٍ، وسحب طلب الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وإلغاء "بريكست"، من ضمن المقترحات.

وسيقوم البرلمانيون البريطانيون بالتصويت على جميع المقترحات التي سيختارها بيركو دفعة واحدة، عند الساعة السابعة مساء بتوقيت لندن، بخلاف طريقة التصويت المعتادة بطرح كل مقترح على حدة كي لا تتأثر النتائج ببعضها.

وستصدر النتيجة النهائية بعد الساعة الثامنة والنصف مساء، على أن تطرح الاقتراحات التي تحصل على أكبر عدد من الأصوات من جديد على النواب، يوم الإثنين المقبل.

ويتبع ذلك تصويت برلماني لصالح تعديل قانون "بريكست"، والذي ينص على خروج بريطانيا من الاتحاد، بعد غد الجمعة، 29 مارس/آذار الحالي، ليتوافق مع المقترح الأوروبي الصادر عن القمة الأوروبية الماضية، بحيث يكون موعد 22 مايو/أيار موعد "بريكست" الجديد في حال وجود اتفاق، و12 إبريل/نيسان المقبل، المهلة النهائية للحكومة البريطانية للتقدم بخطة بديلة في حال عدم وجود اتفاق.

الاتحاد الأوروبي مستعد للتمديد

وكشفت صحيفة "ذا غارديان"، اليوم الأربعاء، أنّ الاتحاد الأوروبي مستعد لتمديد موعد "بريكست" حتى بداية إبريل/نيسان 2020، في حال طلبت بريطانيا تأجيلاً طويل الأمد في الأسابيع الثلاثة المقبلة.

واليوم، الأربعاء، حثّ رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، أعضاء البرلمان الأوروبي على عدم "خيانة" البريطانيين الراغبين بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، برفض مشاركة المملكة المتحدة في الانتخابات الأوروبية في 23 مايو/أيار المقبل، إذا تأجل "بريكست" عدة أسابيع.

وقال في ستراسبورغ أمام البرلمان الأوروبي، المنعقد في جلسة عامة: "يجب أن نتوقع التأجيل لفترة طويلة إذا رغبت المملكة المتحدة في إعادة التفكير في استراتيجيتها بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني بالطبع مشاركة المملكة المتحدة في الانتخابات".

وقال "سمعنا أصواتاً تقول إنّ الأمر سينطوي على ضرر أو إحراج بالنسبة لبعضكم، واسمحوا لي أن أكون واضحاً هنا: مثل هذا التفكير غير مقبول". وأضاف "لا يمكنكم خيانة الستة ملايين الذين وقعوا على عريضة إلغاء المادة 50 (التي تنظم خروج دولة من الاتحاد الأوروبي) والمليون الذين شاركوا في مسيرة من أجل الاستفتاء، والغالبية الآخذة في الاتساع لمن يريدون البقاء في الاتحاد الأوروبي".


ويوم السبت الماضي، خرج مئات الآلاف في لندن للمطالبة بإجراء استفتاء جديد على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وقال دونالد توسك إنّ البريطانيين المعارضين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "ربما يشعرون بأنّهم غير ممثلين بشكل كاف في البرلمان البريطاني، لكن يجب أن يشعروا بأنّهم ممثلون من قبلكم في هذه الجمعية، لأنهم أوروبيون".

من جهته، قال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، متهكماً: "لو قارنت بريطانيا بأبي الهول، لبدا لي أبو الهول أكثر وضوحاً"، رافضاً أمام البرلمان الإدلاء بأي تعليق آخر على "بريكست"، لأنّ "كل ما يجب أن يقال قد قيل"، حسب تعبيره.

ماي مصرة على اتفاقها

وكانت الحكومة البريطانية قد رفضت من جانبها الإعلان عن موقفها بشأن نتائج التصويت المرتقبة لبدائل البرلمان عن اتفاق ماي، متذرعة بأنّها لن تمنح "شيكاً على بياض".

وبينما تعد جلسة المساء غير ملزمة قانوناً لحكومة ماي، نظراً لأنّ عمليات التصويت "إرشادية" فقط، سيعقد البرلمان جلسة أخرى، يوم الإثنين المقبل، قد يلزم فيها الحكومة بتبني خطة محددة بشأن "بريكست"، وهو ما لا تستطيع تجاهله.

وأعلنت ماي مسبقاً أنّها ستعارض خيار النواب إن كان يتعارض مع التزامات حزبها "المحافظين" بشأن الخروج من السوق الموحدة ومن الاتحاد الجمركي الأوروبي.

إلا أنّ ماي لا تزال تصر على جهودها لوضع اتفاقها للتصويت للمرة الثالثة أمام مجلس العموم، رغم رفض البرلمان له مرتين حتى الآن: في يناير/كانون الثاني ومنتصف مارس/آذار.

كما تعاني ماي من انقسامات عميقة داخل حزبها، وقد صوت ثلاثون نائباً محافظاً، مساء الإثنين، لصالح سيطرة البرلمان على أجندة "بريكست"، في تحد لها.

وانضم أعضاء في الحكومة إلى هذا التمرد، مع استقالة ثلاثة وزراء دولة في الليلة ذاتها، ما يرفع إلى حوالى ثلاثين عدد الاستقالات داخل الحكومة منذ الانتخابات العامة، في يونيو/حزيران 2017.


ونالت جهود رئيسة الحكومة دفعة قوية في الساعات الـ24 الماضية، عندما أعلنت قيادات من متشددي "بريكست"، ومنهم النائب جاكوب ريس موغ، رئيس "مجموعة البحث الأوروبية"، وهي مجموعة نافذة من 60 إلى 85 نائباً من مؤيدي "بريكست" متشدد بدون تنازلات، ووزير الخارجية السابق بوريس جونسون، استعدادهم للتصويت لصالح اتفاقها، كون البديل سيكون إلغاء "بريكست".

فقد لمّح جونسون، مساء الثلاثاء، إلى تراجعه عن موقفه الرافض لاتفاق ماي، لكونه "أفضل الأمرّين"، مشدداً في الوقت عينه على أنّه يضع أمله في أن تكون المرحلة المقبلة من المفاوضات، والتي ستختص في شكل الاتفاق التجاري مع الاتحاد الأوروبي، مختلفة عن اتفاق "بريكست" الحالي.

أما ريس موغ، فقد نشر مقالاً في "ديلي ميل"، اليوم الأربعاء، يعتذر فيه لمؤيديه لتحوّله لصالح دعم اتفاق ماي. وقال "لقد وصلت إلى هذا الرأي لأنّ الأعداد في البرلمان تكشف بوضوح أنّ جميع الخيارات الأخرى أسوأ (من اتفاق ماي)، ويجب أن نواجه الحقيقة المرة".


من جهته، قال وزير "بريكست" السابق ديفيد ديفيس، متحدثاً لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": "هذا ليس اتفاقاً جيداً، لكن البديل هو سلسلة من الفوضى"، معتبراً أنّ ماي تحظى بـ"فرصة معقولة" لتحقيق انتصار.


غير أنّ المسألة غير محسومة إطلاقاً لرئيسة الوزراء التي تبدو في موقع أكثر ضعفاً من أي وقت مضى.

فقد أعلن حليفها الأيرلندي الشمالي في البرلمان "الحزب الوحدوي الديمقراطي"، أنّه لن يصوّت لصالح اتفاق بريكست "الضار"، معتبراً أنّ "شبكة الأمان"، (الترتيب الرامي إلى تفادي عودة حدود فعلية بين مقاطعة أيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد)، قد تؤدي إلى معاملة خاصة للمحافظة البريطانية مختلفة عن باقي المملكة المتحدة.

وتسعى ماي لدعم الزخم الذي بات يلقاه اتفاقها، خلال اجتماع مع نواب حزبها، قبيل تصويت البرلمان، مساء اليوم، حيث سرت توقعات بأن تحدد موعد استقالتها من منصبها، مقابل ضمان دعمهم لاتفاقها. وبحال نجحت هذه الخطوة، فإنّ اليومين المقبلين قد يشهدان تصويتاً ثالثاً على الاتفاق.

ومن المتوقع أن تخاطب ماي، عصراً، النواب المحافظين، وقد دعاها النائب عن شمال غرب إنكلترا نايجل إيفانز إلى إعلان رحيلها لهم، إن كانت ترغب في تمرير اتفاقها.

وقال إيفانز، لإذاعة "راديو 4": "أشجعها على إعلان الجدول الزمني لرحيلها"، وفي هذه الحال "أعتقد أنّ هذا سيحمل العديد من الأشخاص على دعم اتفاقها".


ويسود غموض بشأن نتيجة التصويت البرلماني مساء اليوم، فقد يخرج النواب بأغلبية تدعم خياراً واحداً، أو خيارات متناقضة، أو حتى الخروج من دون أي دعم لأي اقتراح.

وبينما تعلو الدعوات لجعل التصويت حراً، من دون أن تفرض القيادات الحزبية رؤيتها على نوابها بهدف الكشف عن توجهات النواب الحقيقية، يرفض حزبا "العمال" و"المحافظين" منح حرية التصويت لصالح مقترحات تخالف برنامجي الحزبين الانتخابيين.

ويتجه "العمال" لدعم خطط "بريكست" مخفف، والتي تشمل اتحاداً جمركياً مع الاتحاد الأوروبي، بما يتوافق مع رؤية الحزب الخاصة لـ"بريكست". إلا أنّ اجتماعاً قيادياً للحزب فشل، مساء الثلاثاء، في الوصول إلى اتفاق حول دعم إجراء استفتاء ثانٍ بشأن "بريكست"، يكون الخيار فيه بين دعم اتفاق ماي، والبقاء في الاتحاد الأوروبي. ويأتي الانقسام من اعتبارات انتخابية، كون دعم هذا الاستفتاء يشير إلى دعم "العمال" لأحد الخيارين: خطة المحافظين أو رفض "بريكست".