الأردن: ثقافة المتاحف ليست في الحسبان

الأردن: ثقافة المتاحف ليست في الحسبان

03 يناير 2017
زيارة المتاحف كفيلة بإضفاء روح المتعة (غيتي)
+ الخط -
عناصر التربية والتعليم لا تقتصر على المواد الجافة والتكنولوجيا المتحركة فقط، بل من أهم الركائز المُغيبة والتي تحتاجها منظومة التربية والتعليم اليوم هي "الحياة المتحفية"، والتي تضفي عناصر المرح وإذكاء روح التشويق لدى الطلبة، والتي من شأنها زيادة الفاعلية التربوية التعليمية.

تكمن أهمية الدراسة المتحفية في جميع أشكالها التاريخية والطبيعية والعلمية والفنية والموسيقية، في ترقية أذواق الطلبة وتوسيع آفاقهم، كونها توفر بيئة فكرية جاذبة، لا سيما للناشئة الذين يسعون إلى الاستكشاف، ولا يجدون بديلاً حقيقياً يغنيهم عن المعرفة المتحفية، إلا من خلال منصات التكنولوجيا ومحركات البحث، والتي لا تغني عن القيمة الفعلية والفكرية للمتاحف الحقيقية.


آراء الأمهات
وعلى الرغم من هذه الأهمية وهذا الدور التربوي للمتاحف، فهناك غياب كبير لمثل هذا التوجه وهذه الثقافة في كل من البيت والمدرسة. وفي محاولة لفهم مدى معرفة الأمهات في الأردن بأهمية دور المتاحف في العملية التربوية والتعليمية، توجه "العربي الجديد" بسؤال عن رؤيتهم لأهمية "التربية المتحفية"، فكانت الإجابات متنوعة ما بين أنهم لا يملكون الوقت إلا للدراسة والعمل، وبأن مدائن الألعاب تكفي لأخذ أطفالهم إليها. والقسم الآخر أشاروا إلى أنهم يترددون إلى متحف الأطفال في العاصمة عمّان، والذي يتضمن ألعاب وأنشطة للأطفال. وهو مفهومهم البسيط عن "المتاحف".


تأثير محدود

عن دور المدرسة في تعزيز التربية المتحفية، تقول أستاذة التاريخ للثانوية العامة الهام أبو عيسى، "نحن نحاول قدر المستطاع، وبالأدوات المتاحة لدينا من "داتا شو وكتب وأنشطة وبعض الرحلات التي ننظمها لطلابنا، للتعرف على الأماكن الأثرية في الأردن، مثل عجلون وجرش وأم قيس، وهي أماكن تاريخية أثرية"، لنخلق الثقافة المتحفية. ولكن هذا الأمر لا يؤثر بشكل حقيقي في ثقافة الطالب، وأعتقد أننا بحاجة إلى إعادة النظر في استحداث متاحف وتشجيع الأفراد على التردد إليها.

وفي هذا السياق كان لـ"العربي الجديد" حديث مع رئيس قسم الآثار في جامعة اليرموك الأردنية، الدكتور عاطف الشياب، لسؤاله عن المعوقات والتحديات التي تواجه التربية المتحفية في منظومة التعليم.


المساحات المفتقدة

يقول الشياب إن المشكلة تكمن في مفهوم "ثقافة المتاحف" في الأردن والدول العربية بشكل عام، فهناك شُحٌ حقيقي في موازنة الدولة لعمل متاحف للانتفاع منها بشكل علمي وثقافي واقتصادي أيضاً فهذه الثقافة مُغيبة فعلاً علماً أنها مهمة لإثراء المواطن بالثقافة. وكذلك لإتاحة الفرصة أمام الطلبة للتعرف على آثار البلاد التاريخية بشكلٍ ملموس، وليس بطريقة سردية قد تتناولها بعض المواد في معرض صفحاتها، فيكتفي المعلم لمادة التربية الوطنية أو التاريخ مثلاً بالحديث عن الآثار الموجودة. بينما من الأنجع لتحقيق التربية المتحفية أن يكون هناك مساحات حقيقية موجودة على أرض الواقع، يذهب الطالب ومعلمه إليها ليرى بنفسه ويستشعر أهمية وحقيقة التراث والآثار، فالعصف الذهني أشد نفعاً من السرد القصصي الجاف.




ويشير إلى أنّ المتاحف متنوعة وعديدة، فهناك الزراعية والصناعية، ولكل منها قصة تروي تطور نشأتها، وللأسف فإن الجهات المعنية كوزارة الثقافة ووزارة السياحة والآثار لا تضع

"التربية المتحفية على سلم أولوياتها". نحن في الأردن لدينا المتحف الوطني الأردني الذي جرى إنشاؤه منذ فترة وجيزة فقط، وأعتقد أن المعضلة تكمن في غياب التنسيق بين الوزارات المعنية في تطوير هذه الثقافة، فنجد أن وزارة السياحة تهتم بتطوير الفنادق والمنتجعات، وتبتعد عن إنشاء المتاحف بشتى أنواعها، وتصبو إلى الربح المادي، علماً أن متاحف عديدة في أوروبا مثل "المتحف البريطاني" ومتحف "اللوفر" في فرنسا، استغلت هذه الأماكن  بطريقة تعود عليها بالمنفعة الاقتصادية والثقافية معاً، فلو تم التنسيق بين الوزارات ولو أن الوزراء يملكون خلفية أكاديمية في الآثار والتاريخ لاختلفت الرؤى المستقبلية للمتاحف وأهميتها، وحينها أعتقد أن مستقبل التربية المتحفية سيأخذ حقه وينتج ثماره على أفراد المجتمع الذين يفتقرون للتذوق التاريخي.


الثقافة المغيبة

ويستطرد قائلاً أن ثقافة "المتاحف" مغيبة لدى طلبة التخصص نفسه، حتى إنه في جامعة اليرموك ومع وجود متحف في الحرم الجامعي إلا أنه قد يمضي الطالب سنوات تخصصه دون أن يدخل للمتحف إلا لغرض بحث مطلوب منه.

ولكن بالرغم من هذه التحديات والمعوقات تبقى المتاحف أحد الروافد الأساسية للتعرف على ذخائر الماضي والنفائس الحضارية، والإبداعات الثقافية تبقي المتاحف "هوية وطن" ومن أجل ذلك يجب على الجهات المعنية مثل وزارة التربية والتعليم أن تعزز التربية المتحفية، وأن تبحث عن مصادر أخرى غير المناهج (الكتب المدرسية) لتغذية منظومة التعليم وتحسين مخرجاتها، وتثقيف الفرد في مجتمعه.

دلالات

المساهمون