اسمه "زعلان" واسمها "عذاب"

06 سبتمبر 2014
لا أحد يعرفه باسم آخر (Getty)
+ الخط -

يضحك الشابّ "زعلان" كلّ الوقت. تغرق غمازتاه في خدّيه حتى تحسب أن لا وجود لضحكة أعمق من هذه. تسأله المرأة الأنيقة في الشارع عن اسمه. يقول لها "زعلان". تضحك كثيراً، وتكرّر السؤال "ما مبيّن عليك زعلان حبيبي.. شو اسمك عن جدّ؟" يصرّ الصبي أن اسمه "زعلان"، ولا تقتنع السيدة إلا بعد نصف ساعة. يمضي زعلان يومه في الشارع متسولاً. يسخر من اسمه ويقول: "الله يسامحو الوالد.. إذا زعلتو الوالدة بتطلع فيني؟!". يصمت قليلاً ثم يقول: "بس بدّك للصراحة، العالم مبسوطة بالاسم، أنا بقلن زعلان وهني بيضحكو".

يبتعد عني قليلاً. يمشي باتجاه صبيّة عشرينية. يغمزني من دون أن تنتبه، ثم يسألها "احزري شو اسمي". تنظر الفتاة إليه مستغربة فيباغتها بالجواب "اسمي زعلان". تتركنا الفتاة وهي لا تستطيع كتم ضحكتها، أما هو فينظر إلي ليؤكد أنّه ربح الشرط.

لا تتعامل "عذاب" مع اسمها بالمرح نفسه. تخبرني عن تسرّبها من المدرسة باكراً وزواجها في سنّ صغيرة. تتحدث عن إفلاس زوجها وطلاقهما في ما بعد وعن أطفالها الذين "سوّدوا لها وجهها". تتذكر كل الأحداث الدرامية التي مرّت بها منذ ولادتها حتى الآن. تتذكر حتى عدد المرات التي سُرق فيها مصروفها عندما كانت طفلة، وتؤكد "هذه لعنة الاسم". عذاب مصرة على أن اسمها لعنتها، وأن حياتها كانت ستكون أفضل لو كان اسمها "فرح" مثلاً.

أمّا "وحيد" فلم يقتنع يوماً بسلطة الاسم عليه. اتفق مع أمّه على أن اسم جده بات قديماً إلى جانب أنّ معناه "مش كوول". نادته بـ"ديدو" منذ الصغر ولا أحد يعرفه باسم آخر. حتى هو ينسى أحياناً أنّ اسمه وحيد. لا يستعمل الاسم الذي لا يتماشى مع شخصيته المنطلقة إلا في الدوائر الرسمية. لم يصدق أصدقاؤه خلال تقديم الامتحانات الرسمية أن اسمه وحيد. "ديدو مستحيل يكون وحيد"، هكذا قالوا. بعد دخوله إلى الجامعة أحسَّ بأنّه كبر على اسم "ديدو" قليلاً، لكن اسم "وحيد" لا يزال كبيراً عليه فالتزم بـ"ديدو".

تذكرنا أسماؤنا دائماً أن جزءاً كبيراً من هويتنا مرتبط بمزاج وذوق أهلنا في لحظة من اللحظات. تعود أسماؤنا لتقول لنا: "أنتم لستم أحراراً كفاية.. جربوا أن تغيروا أسماءكم". بعضنا أكثر حظاً من البعض الآخر. المحظوظون هم أولئك الذين يحملون أسماء أبطال روايات وأفلام أو حتى شخصيات أحبوها في ما بعد. لكن تخيل أن يطلق عليك والدك اسم "زعلان" مثلاً؟! تخيل أنك ستعيش مع هذا "الزعل" كله طوال حياتك فقط لأن أمّك ربما أزعجت أباك كثيراً أثناء الولادة، أو لأنه لم يستطع تأمين المبلغ الكافي للمستشفى ربما! سنحاول تخفيف وقع الاسم علينا كما فعل وحيد أو سنجد عزاءً من نوع آخر. لن نحمل مسؤولية مشاكلنا لأنفسنا أو حتى لأي شخص. سنرمي المسؤولية على الاسم كما فعلت عذاب ونرتاح. وكل الذين لا يحبون أسماءهم سيعزّون أنفسهم بأغنية.. "عينينا هني أسامينا".

المساهمون