أحلامنا كالقمر

أحلامنا كالقمر

07 يناير 2018
+ الخط -
الوقت متأخر، حوالي العاشرة مساء، ارتدينا ملابسنا في ثوانٍ، أخبرنا والدي أننا سنذهب إلى قاسيون، صعدنا في سيارة بيضاء تتسع لـستة أشخاص، لكننا كنا أربعة، أما وأبا وأخا وأختا.
كان استعراض قدراتي في التهجئة في أوجها، فلا تفوتني أي لافتة أو لوحة من دون قراءتها. لا أزال أحتفظ بهذه الهواية، فأتابع كل ما هو حولي بفضول طفلة في السادسة من عمرها، تقرأ تنظر تلاحظ وتدقق في كل ما يجري حولها، لكني طوّرت قليلا من موضوع القراءة إلى موضوع التحليل والتنظير، فكل ما أشاهده أبدأ بتحليله وقراءته بطريقةٍ أعمق من الذي كتبها فعلاً، لعبة أخرى اخترعتها لأسلي وحدتي في الطريق، وإلهاء نفسي بالتفكير بما حولي بعيداً عني.
بصوت عال أقرأ: احذر مرتفع، حافظ على نظافة مدينتك، ساحة الأمويين، اتجاه قاسيون، فلافل فابيان. وصلنا إلى هناك قبل أن نصل إلى الجبل، فابيان محل صغير جدا مستطيل الشكل، في كل زواياه تشم رائحة الزيت المقلي والبهارات، كان يصنع الفلافل على شكل قلوب، قلوب تخفف قساوة الجبل الذي سنصعد إليه، جبل قاس كحياتنا. يمين، يسار، تصعد السيارة ببطء، نشعر لثوانٍ بأننا سنسقط لكننا نستمر في الصعود، يمين آخر وصلنا إلى أعلى الجبل، أطفئ محرّك السيارة، جلسنا على حافة الطريق أرجلنا ووجوهنا متجهة إلى المدينة.
بدأنا اللعبة، أخي وأنا، نتسابق إلى تحديد منزلنا، المدرسة، منازل الأقارب، الأصدقاء، مطاعم، مقاهي، أماكن أخرى نحب زيارتها... من فوق، ترى دمشق جميلة سعيدة مبتهجة ومنيرة، مع أنّ ساعات تقنين الكهرباء كانت فرضا على كل مواطن، لكن من فوق لا يمكننا أن نرى ذلك، نرى فقط تلألؤ المدينة ورائحتها الجميلة.
بعد وقت، أنارنا ضوء برتقالي، ظننت أنّ والدي أشعل أنوار السيارة، التفت قليلا نحو اليسار، فوجدت قرصاً برتقاليا ضخماً، كان القمر كبيرا وقريبا جدا، نهضت ومددت يدي، رفعت قدماي قليلا عن الأرض لعلي ألمسه، كدت أقع، صاحت أمي: أين أنت ذاهبة؟ قلت: أريد لمس القمر أنه هنا قريب، أنا متاكدة سألمسه.
كان القمر يسحبني نحوه بقوة وبسرعة. تعثرت كعادتي، إذ أني أمشي من غير توازن لا لمشكلة جسدية، إنما أسلّي نفسي بالتعثر مرارا وتكرارا، فلا يكون السير وحيدة شيئاً مملاً، حيلة أخرى لأسلي نفسي بأي شيء بعيد عن التفكير بنفسي.
شدتني أمي من يديّ خوفاً عليّ من الوقوع، وأنا أحاول لمس القمر، عدت إلى المنزل حزينة، لما لم يساعدوني في لمس القمر، لما بدلا من حملي للمسه، أبعدوني عنه؟ هم يخافون عليّ، وأنا الآن أخاف على نفسي، أرى أقماري بجانبي، لا أجرؤ على لمسها، وإن حاولت فمع أول عثرة، أدير وجهي وأغادر، وأسمع صوت أمي يقول: انتبهي، ستقعين…
أحلامنا كالقمر الذي رأيته يومها، واضحة ومرئية، إلا أنها تحتاج إلى قلب جسور للحصول عليها، لا قلب مليء بالخوف والقلق.
3B8AE38E-4E09-4A3F-89BA-16154CE498C3
3B8AE38E-4E09-4A3F-89BA-16154CE498C3
خولة أبو سعدة (سورية)
خولة أبو سعدة (سورية)