"وحي التجريد": سوء الحظ الذي يرافق أوتو فروندليش

"وحي التجريد": سوء الحظ الذي يرافق أوتو فروندليش

17 اغسطس 2020
من معرض لـ أوتو فروندليش في برلين عام 1963(Getty)
+ الخط -

بعد أن افتُتح بأيام في "متحف مونمارتر" الباريسي (نهاية شباط/ فبراير 2020)، وجد منظّمو معرض "أوتو فروندليش.. وحي التجريد" أنفسهم مجبرين على غلقه مع انتشار فيروس كورونا في فرنسا، ليبدو الأمر مخيّباً للآمال؛ فبعد أن كان من المفترض أن يكون المعرض أحد أبرز الأحداث الثقافية في باريس 2020، بدا أن جهد تجميع ثمانين عملاً للفنان الألماني (1878 - 1943) قد ذهبت هدَراً، وحتى السماح بإعادة فتح الغاليريهات والمتاحف مع بداية حزيران/ يونيو الماضي لم يتح للمعرض أن يعرف الإشعاع المأمول، نظراً لاستمرار التخوّفات من العدوى، وأيضاً لأن أشهر الصيف هي أضعف فترة من فترات الاهتمام بالفن التشكيلي خلال العام. سوء الحظ الذي أحاط بالمعرض غير بعيد عما عاشه فروندليش في حياته. فالفنان الألماني - بحسب مؤرّخي الفن - هو المؤطّر النظري لأطروحة الفن التجريدي، غير أنه عاش في ظلّ الفنان الروسي فاسيلي كاندنسكي الذي يمثّل إلى اليوم أيقونة هذا التيار الفنّي.

لا يعود هذا الحظ العاثر إلى قلّةٍ في إنتاج الفنان الألماني أو نقص في موهبته الابتكارية. على العكس، يرى كثيرون أنه يتفوّق على بقية التجريديّين بتصوّرات نظرية أفادت كلّ الفن الحديث، خصوصاً أفكاره في توظيف الأشكال الهندسية مثل المثلّت والدائرة والمربّع، علماً أن فروندليش نشر بعض الكتب، منها: "الحركة الدائمة" (1918)، و"فنان ألماني في باريس" (1930)، وأهمّها كتاب "وجهة الفن التجريدي" (1934) الذي يمكن اعتباره مانيفستو الحركة التجريدية.

عَرف تضييقات جمّة مع صعود النازية وصُنّف ضمن "الفن المنحطّ"

أما تفسير بقاء فروندليش في الظل، فهو متعلّق بأن فترة الاعتراف الفنّي به صادفت صعود النازية في ألمانيا، وقد اعتُبرت أعماله بدءاً من ثلاثينيات القرن الماضي نماذج من "الفن المنحطّ". هكذا دخل فروندليش مرحلة من النسيان، تماماً كما دخلتها مدينة برلين التي تحوّلت من عاصمة للحداثة الفنية إلى معقل من معاقل التعصّب والعنف. في تلك السنوات كان كاندنسكي يراكم النجاحات في الغاليريهات الباريسية، ولما رحل في 1944 صار "نبيّ الفن التجريدي"، فيما مات فروندليش في ظروف صعبة قبل ذلك بعام.

الصورة
فروندليش

حرص منظّمو معرض "وحي التجريد" على أن يحضر فرونلديش بأعمال متنوّعة، فإذا كانت شهرته قد قامت على اللوحة وبعض المنحوتات، فإن المعرض يقدّم أعمالاً غير معروفة له أنجزت على البلّور أو بتقنية الفسيفساء. ويضمّ المعرض أيضاً بعض أوراقه المكتوبة بخط يده، بعضها تأمّلات في الفن، وبعضها الآخر أفكار وملاحظات تخطيطية حول أعماله، إضافة إلى عدد من الرسائل مع أصدقائه، بعضها يضيء تاريخ الفن الحديث؛ فقد كان فروندليش صديق بيكاسو وجورج براك.

نقطة الضوء التي يمكن أن يرتكز عليها المعرض، هي أنه يستمر لحسن الحظ حتى 31 كانون الثاني/ يناير من العام المقبل، وهو ما قد يتيح له فرصاً جديدة من اهتمام هواة الفن والإعلام.

المساهمون