ما الذي تُخفيه لجنة "نوبل" غداً الخميس؟ بعد تأجيلها موعد إعلان الجائزة الذي كان مقرّراً الخميس الماضي، لكن "اختلافاً" و"تردّداً" بين أعضائها، بحسب تكهنّات الصحافة، فرضت التأجيل على وقع تصّدر الروائي الياباني هوراكي موراكامي والشاعر السوري أدونيس والروائي الكيني نجوجي واثينغو "قائمة المضاربات" حتى اليوم.
منذ أن أوصى العالم السويدي ألفرد نوبل في 27 تشرين الأول، نوفمبر 1895 باستثمار أمواله لتُمنح عائدات أرباحه ضمن خمس جوائز؛ الكيمياء والفيزياء والطب والسلام والأدب –قبل أُن تضاف جائزة الاقتصاد عام 1968- اختار أن تُقدّم في فرع الآداب لـ "من قدّم عملاً أدبياً فذّاً ذا نزعة مثالية".
لكن الاختلاف على قيمة العمل وعلى مثاليته بدأ منذ مُنح الشاعر الفرنسي رينيه سولي برودوم نوبل الأولى في التاريخ عام 1901، والذي ربما لم يسمع به إلى اليوم سوى المتخصّصين في الشعر الفرنسي، ولم ينلها تولستوي الذي لم تعجب مواقفه الاجتماعية كثيراً من النقّاد وأصحاب النفوذ في الترشيحات.
خلال 115 عاماً، توّقفت خلالها الجائزة سبع مرات، ستّ منها أثناء الحربين العالميتين ومرّة عام 1935، لم يهدأ الجدل عاماً واحدًاً لأسباب عدّة؛ تحيّز أعضاء اللجنة السرّية للآداب الأوروبية بدليل منحها لأكثر من سبعين كاتباً من القارّة العجوز، وكذلك طاولت الانتقادات تفضيلها السرد على حساب الشعر بثمانية أضعاف، وعدم التفاتها - إلاً مؤخراً - للكاتبات؛ حيث لم تحز سوى 14 كاتبة عليها حتى هذه الآن.
الاعتبارات الثقافية والجغرافية والجندرية والأجناسية تُضاف إليها حسابات سياسية، تتراوح بين "مثالية" تُرضي المؤسّسة الرسمية في الغرب وبين القبول باستثناءات كل عقد من الزمان – تقريباً- لا تزعجها مثل: نيرودا وسوينكا وماركيز وهارولد بنتر وساراماغو وغونتر غراس.
لكن لا تزال الحيرة ماثلة بسبب اختيار اللجنة ونستون تشرشل، وزير المستعمرات ورئيس وزراء بريطانيا لسنوات، عام 1953 ليفوز بها عن خطاباته ومقالاته الطويلة في التأريخ التي أنشاها أساساً لتبرير سياسة بلاده الاستعمارية وإن كُتبت ببلاغة رجل حاول التغلّب على لثغة لسانه المزمنة.
عودةٌ إلى المرشّحين الثلاثة، تبدو فرصة موراكامي جيّدة، خصوصاً أن مواطنه الروائي كنزابورو أوي نالها منذ 22 عاماً (1994)، وقد تُرجمّ إلى جميع اللغات الأوروبية ولاقى انتشاراً، كما أنه زار "إسرائيل" عام 2009 وقبِل جائزتها المسمّاة بـ"جائزة القدس".
أمّا المرشّح العربي فقد تحوّل ترشيحه إلى "مزحة ثقيلة"، طوال عقدين، بحيث صارت التقارير الصحافية الغربية تُفتَتح باقتباس منقول عن بائع كتب في ستوكهولم أو ناشر أوروبي يؤشّر على مكانة أدونيس بالتأكيد عليه "كاتباً شرق أوسطي وليس عربياً، وينتمي إلى ثقافة شرق أوسطية لا عربية، وأنه سينالها بعد 28 عاماً على فوز الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ، ونصف قرن على فوز الإسرائيلي عجنون بها".
لا يعدو تجنّياً إذا قلنا إن أدونيس الشاعر هو أقل مقروءية ومعرفة في الغرب من أدونيس المنظّر، طيلة خمسين عاماً مضت، بآرائه تجاه التراث العربي، وأبزرها في كتابه "الثابت والمتحوّل" (1974) حول صراع العقل والنقل أو صدمة الحداثة لدى العرب، وآراء هي جاذبة بالعادة لجمهور غير عربي.
الاسم الثالث الذي يحظى بترشيحات عديدة في السنوات الأخيرة هو نجوجي وا ثينغو؛ أستاذ اللغة والروائي والكاتب المسرحي وكاتب الطفل، وقد كتب أعمالاً بلغته الأم "كيوغو" وباللغة السواحلية، إحدى لغات شرق إفريقيا المحلية، كجزء من مشروعه النضالي ضد ثقافة المستعمر، وكان قبلها قدّ غيّر اسمه من جيمس نجوجي إلى نجوجي وا ثينغو (1938)، ولم يكن التغيير شكلياً حيث تبلور فكره الذي يدعو إلى إحياء التراث الأفريقي في مواجهة القيم الأوروبية الغربية، كما واصل كفاحه عبر تبنّيه مشروع إعادة المنهج الدراسي في بلاده إلى لغته الأصلية بعد خروج المستعمر البريطاني.
منحُ الجائزة إلى وا ثينغو سيظهر كترضية لأحد المناضلين وأبرز كتّاب ما بعد الكولونيالية في قارته الأفريقية التي لم يحظ منها بـ"نوبل" سوى: وول سوينكا ونجيب محفوظ وكويتزي ونادين غورديمر.
ثمة أسمّاء أخرى وراء هولاء الثلاثة؛ من بينها: الروائي البرتغالي أنطونيو لوبو أنطونس الذي لم يُترجم إلى العربية بعد رغم كونه الكاتب الأبرز في بلده، والشاعر الكوري الجنوبي كون أون، والكاتب النرويجي جون فوس، والأرجنتيني سيزر آيرا.
وبالطبع لا يغيب اسما الروائيين الأميركيين فيليب روث وجويس كارول أوتس، وإن كانت الشائعات ترجّح عدم ذهابها إلى كاتب أميركي لأن ذلك قد يؤثّر في مجرى الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل.
ربما تحدث مفاجأة - مثلما حدث أكثر من مرة- ويفوز كاتب خارج التوقّعات جميعها، وتحتفل به المركزية الأوروبية سواءً انتخبته من داخلها أم من الأطراف، باعتبارها المحتكر الأساسي للأدب وتذوقّه.