"فوق الصفر"كسر الصورة النمطية للاجئ السوري

18 أكتوبر 2016
المخرج المسرحي السوري، أسامة حلال (العربي الجديد)
+ الخط -
لا يزالُ عرض "فوق الصفر" الذي تقدّمه فرقة "كون" المسرحيّة يقام في بلاد مختلفة. وسيشارك العرض في مهرجان هانوفر في ألمانيا في منتصف الشهر الأول من العام المقبل. التقت "العربي الجديد" مع المخرج المسرحي والممثل السوري، أسامة حلال، وكان معه الحوار التالي: 

ما زالت فرقة "كون" مُستمرّة بعرض "فوق الصفر" إلى الآن، وتنتقل لعرضه في بلاد جديدة، ما هو المميز بـ"فوق الصفر"، ولماذا يستمر عرضه إلى الآن؟

عندما أنجز العرض في لبنان، وانتقل إلى تونس وهولندا، قامت مجموعة من المنظّمين الثقافيين بالاتفاق على وضع جداول لمواعيد العرض، وما زال الطلب على المسرحيَّة حتّى الآن مستمراً. لاقى العرض اهتماماً كبيراً بسبب أهمية موضوعه في الزمن الراهن، ولأنَّ الحرب واقع يومي نعيشه، حتى لو كنا في الخارج، إذْ إنّنا في الخارج أيضاً نعيش في ظلال الحرب. تقديم عرض "فوق الصفر" ومشاركته في المهرجانات، يكسرُ الصورة النمطيّة عن السوري الهارب من الحرب، بأنّه لاجئ يستجدي الآخر ليأخذ فرصة للعيش في بلده. ويجب أن أؤكّد بأن "فوق الصفر" ليس عرضاً سوريّاً فقط، فنحن نعملُ على مفهومي العنف والخوف بالنسبة للإنسان، أيّا كان، دون تخصيص. وشارك في العرض عدد كبير من الفنانين المستقلين من جنسيات مختلفة، ففي العرض مؤدون سوريون ولبنانيون وفرنسيون. هذا التنوع الثقافي جزء من هوية فرقة "كون" المسرحية.


مسيرتك بالمسرح مختلفة وبعيدة عن مسيرتك بالتلفزيون، كيف تجد الرابط بينهما؟

أعتبر التلفزيون فناً مُختلفاً عن المسرح، وعن السينما والتصوير. لكل نوع من الفن مقوماته وأسئلته التي يقوم بطرحها. وأعتقد أن المسرح هو أكثر فن يعبّر عني، لأنه يعطي مساحة أكبر لموضوع البحث، ومن الممكن أن نطرح فيه أسئلة أكثر عمقاً وخصوصية، بينما لا يعطينا التلفزيون هذه المساحة، فهو مؤدلج، وتُنتَج الأعمال فيه لإثبات وجهة نظر أصحاب المحطات أو المخرجين أو بعض المنتجين السطحيين الذين لا يولون أهمية لخصوصية الفنان. وتبقى الأفكار التلفزيونيّة في السطح غالباً. لجأتُ للعمل في التلفزيون في فترة من الفترات، لأنّه أمّن لي استقراراً مادياً، يصعب على المسرح تأمينه. علماً أنني تعاملت بكلّ جدية مع الأعمال التلفزيونية التي شاركت فيها. وأستطيع أن أدافع عن كلّ ما قدّمته. فالشخصيات التي أديتها، تعاملت معها باحترام، وحضَّرت لها دون استخفاف، ولكن الموضوع أكبر من المؤدين، فمشكلة التلفزيون في بلادنا مرتبطة بالذهنية التي تؤسس للعمل كاملاً، وبالسطحية التي يتعامل فيها القائمون على العمل مع الأفكار المطروحة. ونادراً ما نجدُ في الدراما التلفزيونية السورية أعمالاً تطرح أسئلة هامة، وتعطي مساحة للممثل لكي يبحث بجدية، ويتميز فيها.


وهل تفكر في خوض تجربة الإخراج التلفزيوني؟
قد أقدِم على هذه الخطوة في يومٍ من الأيّام، فأنا لست مُتزمّتاً للعمل المسرحي، وأؤمن بأن لكل فكرة وسيلة التعبير التي تلائمها. اليوم، أطرح أفكاري من خلال المسرح، ولكن لدي العديد من الأفكار والمشاريع على الورق، والتي أشعر بأن الكاميرا جزء منها، وقد تتحول إلى فيلم سينمائي أو "فيديو آرت"، وقد تُقدَّم كعمل تلفزيوني أيضاً. ولكنني إذا اتّجهت للعمل في الإخراج التلفزيوني، فسأقدّم الأعمال بالطريقة التي أفكر فيها، وسأعطي فيها مساحة خاصة للعب والبحث الجاد، ولن تكون ضمن السياق الذي تقدم فيه الأعمال التلفزيونية حالياً.


أخيراً، حصلت على استديو في لبنان، ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لك، ولفرقة "كون"؟ ولماذا سميتموه باسم الراقص الراحل، حسن رابح؟

في سنة 2016، أغْلِقَت العديد من المسارح في لبنان والوطن العربي، ومن أهمها مسرح "بابل". وفي التوقيت نفسه، استطعنا أن نفتتح استديو في "دوار الشمس" لفرقة "كون"، والتي تتكون من جنسيات مختلفة، وتعمل سويةً بغض النظر عن الأيديولوجيات والأفكار المختلفة. ما يجمعنا هو إيماننا بأنّنا لا نستطيع أن نحمي أنفسنا إلا حين نكون مجموعة، واستفدنا باجتماعنا على جميع الأصعدة، على الصعيد الاجتماعي والنفسي والعملي، وكذلك عَمِلْنَا على تطوير أدواتنا الفنيّة.
افتتاح الاستديو كان تجسيداً لإيماننا وسعينا لتفعيل المساحات الثقافيّة المستقلة، فنحن لا نستطيع أن نتطور، وأن نطور خطابنا الفني إلا من خلال هذه الأماكن. وهذا الاستديو، بالنسبة لفرقة "كون" هو حلم، هو حلمي القديم الذي لم أستطع تحقيقه بدمشق، وحققته في لبنان.

واخترنا اسم حسن رابح للاستديو، لأنه وخلال الفترة التي عمل فيها حسن معنا، أي عندما قمنا بإعادة عرض "فوق الصفر" في لبنان، كان حسن بحاجةٍ لمساحة ليتدرّب فيها فقط. لقد كان مبدعاً وبحاجة فيزيولوجية للمكان الذي يحترم إبداعه ليس إلا، ومن المؤسف فعلاً أن نخسر فناناً مثل حسن، وهو يستحق حقاً أن نذكره، وهذه الذكرى بالنسبة إليّ هي كسلام لروحه. وأريد أن أدافع عن حسن الفكرة، فاليوم يعيش بالقرب منا مليون حسن، ونحن لا نشعر بهم.

وجدير بالذكر بأنَّ "فوق الصفر" سيعرض في باريس بعد تقديمه في مهرجان هانوفر بألمانيا. وستنتهي جولة العرض رسمياً في الشهر الثالث من العام المقبل. يختتم أسامة قائلاً: "ولكن بالنسبة لي، فإن عرض فوق الصفر لن ينتهي حتى يُعرَض في سورية، وإن كان ذلك بعد عشر سنين أو أكثر".
المساهمون