"رجل النزاهة" لروسولوف: تعرية الاجتماع الإيراني

05 يونيو 2017
من "رجل النزاهة" للإيراني محمد رسولوف (المكتب الإعلامي)
+ الخط -
يروي الإيراني محمد رسولوف (1972)، في "رجل النزاهة" ـ الفائز بـ "جائزة نظرة ما"، في الدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ" السينمائيّ ـ حكاية بسيطة وعادية للغاية: عائلة مؤلّفة من زوجين وابنهما الوحيد، يواجهان تحدّيات شتّى، تدفع الزوج/ الأب إلى ارتكاب أمورٍ، يُفترض به ألاّ يرتكبها، كي يُحافظ على كيان عائلته متماسكاً، وعلى موقعه الاجتماعي كرجلٍ لا يهاب الصعاب، وعلى أرضه وبيته المهدَّدين بالخراب.
مع رزا (رزا أخلِغيراد) وزوجته هاديس (سودابيه بايزاي)، ستتشكّل حلقات السياق الدرامي، الذي يروي سيرتهما في مواجهة خصمٍ غير مرئيّ (إلاّ عبر رجل يبطش ويحرق ويعتدي ويقسو)، يريد انتزاع أرضهما لأغراضٍ تجارية. بهذا، تتحوّل الحكاية إلى صراعٍ حقيقي بين طرفين أساسيين: شركة عملاقة يُديرها رجل أعمال فاسد، وربّ عائلة نزيه وشريف ومتواضع. صراع يعكس وقائع كثيرة، تحصل في بلدان كثيرة، فتنكشف ـ في سردها ـ بعض خفايا النظام المتحكّم بالاجتماع والاقتصاد المحليين: نظام مبنيّ على توافق بين المال والأعمال (صاحب الشركة) والسياسة (المحافِظ) والأمن (مسؤول الشرطة)، إلى درجة أن التداخل بين "وظائف" هؤلاء يُلغي ـ أحياناً ـ كلّ حدّ ممكن بينها.
والصراع مفتوحٌ على مسائل، يعاني الاجتماع الإيراني أسئلتها المعلّقة: النظام التربوي المدرسيّ، المنبثق من سلوك عقائديّ ديني يُسيِّر، غالباً، أمور السياسة والعيش اليومي. فالأقليات غير المسلمة لن تتمكّن من حماية حقوقها الإنسانية العادية: انتحار تلميذة، بعد تبلّغ أهلها قرار طردها من المدرسة، لأنها "غير مسلمة"، ثم يُمنع والداها من دفنها في مقابر المسلمين. هذا مثلٌ.
ثم إن الفساد يكاد يكون مُعمَّماً. وهذا يظهر في صلابة النظام المتحكّم بأحوال البلدة واجتماعها وناسها. نزاعات أخرى ستحدث بين رجال عصابات، سيستغلّ أحدهم رزا، مُدركاً صراعه اليومي مع خصمه، فيُحارب خصمه عبر "رجل النزاهة" نفسه. هناك المخدرات أيضاً، التي تُسبِّب جزءاً بارزاً من النزاعات العنيفة، علماً أن العنف مُقدَّم ـ سينمائياً ـ بلغة درامية وجمالية مبطّنة، تظهر في ملامح الوجه والجسد والنُطق والحركة، التي يمتلكها رزا تحديداً، بأداء يُعبَّر عنه بشكلٍ متماسك ومؤثّر.
لن يخرج "رجل النزاهة" عن مسارٍ بصريّ يبدو عادياً، كقصّته. يُمكن القول إن بناءه الدرامي تقليدي، وآلية السرد كلاسيكية، والتقاط نبض الفرد والجماعة والبيئة مشغولٌ بتبسيط درامي وبنبرة هادئة ومترابطة الأحداث. يُمكن القول، أيضاً، إن الأداء معقودٌ على حِرفية مطلوبة، والتقنيات المستخدمة في تحقيق الفيلم متشابهةٌ والمتَدَاول في جماليات السينما الإيرانية: بساطة تُنتج عوالم جميلة وفاضحة وآسرة، تكشف شيئاً كثيراً من يوميات أناسٍ ومجتمع.
لكن أهميته ستكمن في موضوعه: تعرية اجتماع إيرانيّ، بلغة سينمائية متماسكة.

المساهمون