لماذا ملحق بعد 50 سنة؟

12 ابريل 2025
دمار في منطقة ميناء بيروت بعد معارك خلال الحرب الأهلية اللبنانية (12/5/1976/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تهدف المقالات إلى تذكير الناس بفداحة الحرب الأهلية اللبنانية وأهمية عدم تكرارها، في ظل غياب مصالحة وطنية وعدالة انتقالية، مع مبادرات أهلية مثل تحويل "مبنى بركات" إلى "بيت بيروت" كمتحف للحرب.
- رغم ضآلة احتمالات تجدد الاقتتال، فإن تفجير حرب جديدة قد يتطلب مجموعة صغيرة، مما يبرز أهمية الوعي بخطورة التهوين من عودة الحرب.
- الذاكرة الجماعية للبنانيين قد تكون قصيرة، حيث يترحم البعض على زمن الحرب كفترة ازدهار اقتصادي، مما يعكس ضرورة تحقيق مصالحة حقيقية لتجنب تكرار المأساة.

قيل كل شيء عن الحرب الأهلية اللبنانية تقريباً. مئات وربما آلاف الكتب والدراسات وضعها لبنانيون وعرب وأجانب شرّحوا كل شاردة وواردة فيها، في السياسة والمجتمع والاقتصاد وكل فروع الثقافة والأخلاق والعلاقات الدولية والندوب والمصالح والأسرار والاعترافات والمؤامرات والآثار البيئية والإجرام والذيول. في ظل هذه الحقيقة، لماذا تخصيص ملحق من بضع مقالات ومقابلات وتقارير لحدث ستبدو معالجته في 12 مادة صحافية كمن يقرر تأليف كتاب بعنوان "تاريخ العالم"؟
لا نرغب في هذه المقالات القليلة إلا التذكير بفداحة الحرب الأهلية اللبنانية لنساهم، بالشيء النزير، في حصتنا بذلك الشعار الملحّ الذي يرافق كل ذكرى 13 إبريل/نيسان في لبنان منذ وضعت أوزارها: تنذكر حتى ما تنعاد. شعار بسيط لكنه يحمل كل المعنى، لأنّ الحرب الأهلية اللبنانية انتهت من دون مصالحة ولا عدالة انتقالية ولا مؤسسة وطنية تحفظ ذاكرة الحرب، واقتصر الأمر على مبادرة أهلية صانت أشهر مباني بيروت، وحوّلت "مبنى بركات" عند تقاطع السوديكو ــ بشارة الخوري إلى "بيت بيروت" متحفاً غير رسمي للحرب الأهلية. فمثلما أن لا كتاب تاريخ رسمياً للبنان، فإنه لا وجود لرواية موحّدة لحربه الأهلية.

احتمالات تجدد الاقتتال الأهلي ضئيلة، لكن وجب إبقاء في البال أن تفجير حرب لا يحتاج لأكثر من مجموعة قليلة جداً من البشر، أما إطفاؤها فليس أكيداً أن يكون العالم بأسره قادراً عليه

في هذه المقالات القليلة، رغبة في قول إنه ليس صحيحاً ذلك الكليشيه الذي يتردد عند كل توتر طائفي يعرفه لبنان، على خلفية مباراة كرة سلة أو مشكل تسبب به زعران المذاهب، أو بسبب انقسام في الطابق العلوي للسياسة، والذي يدّعي، من دون تفكير عميق، بأن "المدافع توقفت ولكن الحرب مستمرة". وفي ذلك الكلام غير الدقيق تجتمع موبقات كثيرة يجدر أن تثير قلقاً جدياً. أول ما توحي به تلك العبارة، استسهال الحرب التي انقضت، وجهل ما يعنيه جحيم 1975 ــ 1990، والأخطر التهوين ضمنياً من خطر عودتها. من يكرر عبارة أن الحرب الأهلية اللبنانية مستمرة، فهو إما لم يعش الحرب لحسن حظه، وبالتالي فإن الحديث عنها بالنسبة إليه، لا ضريبة عليه، أو أنه من هواة المبالغات الشعبوية الكثيرة في لبنان على نسق السؤال الممجوج "أين هي الدولة؟" في كل أزمة ولو كانت موجة صقيع تصيب البلد. ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فإنّ معزوفة "الحرب مستمرة بأدوات أخرى" تعني أن لبنانيين كثر لم يتعلموا شيئاً من دروس المقتلة، بدليل أن زائر لبنان لا يزال يسمع ترحّماً على زمن الحرب بوصفها أيام بحبوحة اقتصادية.
والحال أن ذاكرة البشر فيها الكثير من سمات ذاكرة السمك، ومع أن احتمالات تجدد الاقتتال الأهلي تبقى ضئيلة، لكن وجب إبقاء في البال أن تفجير حرب لا يحتاج لأكثر من مجموعة قليلة جداً من البشر، أما إطفاؤها، فليس أكيداً أن يكون العالم بأسره قادراً عليه. يدرك اللبنانيون ممن عايشوا الحرب الأهلية هذه الحقيقة، ويعرفها مثلهم جيرانهم السوريون. وكما أن "ربيع العرب عندما يزهر في بيروت، إنما يعلن أوان الورد في دمشق" بحسب نبوءة سمير قصير، فإنّ مصالحة حقيقية في لبنان بعد انتهاء حروبه قبل 35 عاماً، كان من شأنها أن تسهّل مصالحة عظيمة بين السوريين اليوم.

المساهمون