Skip to main content
جيش الاحتلال يحارب مدرسة بلا نوافذ وأبواب
جهاد بركات ــ رام الله

يطمع الاحتلال الإسرائيلي في مدرسة بسيطة جداً أسسها فلسطينيون لتعليم أطفالهم، لكنّ الأهالي يصرّون على إعادة البناء كلّما انتزع سقف المدرسة وصودرت مقاعدها وأدراجها

تبدي التلميذة الفلسطينية سناء سليمان، من مدرسة تجمع راس التين البدوي شمال شرقي رام الله، فرحة بمدرستها الجديدة رغم أن غرفة الصف بلا باب، أو حتى نوافذ، سقفها من "الزينكو" (الصفيح) وليس فيها غير المقاعد. كلمات سناء سليمان تختصر السبب، فهي تقول: "كنت أذهب إلى مدرسة قرية المغير المجاورة (شمال شرقي رام الله وسط الضفة الغربية، في فلسطين المحتلة). أحياناً كانت تأتينا الحافلة وفي أخرى لا تأتي. كنا نمشي، ونحن في طريق العودة كان المستوطنون يحتجزوننا أحياناً، هذه المدرسة قربت المسافة". انطلق العام الدراسي في السادس من سبتمبر/ أيلول الجاري، لكنّ سناء والأهالي قلقون من مصير المدرسة، إذ لم يكد التلاميذ يعودون إلى منازلهم في التجمع البدوي، في ذلك اليوم الافتتاحي، حتى اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي المدرسة، وصادرت سقف الصفيح، والمقاعد المدرسية، بحجة عدم الحصول على ترخيص للبناء من سلطات الاحتلال. وتقول التلميذة ملاك عمر، ببراءة لـ"العربي الجديد": "أخاف أن يهدم جيش الاحتلال مدرستي، وأعود إلى تلك المدرسة البعيدة (تقصد مدرسة المغير)".

مضايقات الاحتلال بدأت مبكراً حين قرر أهالي راس التين إنشاء مدرسة تختصر المسافات على أطفالهم. وقبل نحو شهر بدأ العمل، كما يروي مختار التجمع أحمد كعابنة لـ"العربي الجديد"، بعد تبرع من أهالي قرية أبو فلاح بقطعة أرض لإقامة المدرسة. يقول كعابنة إنّ "المستوطنين القاطنين في مستوطنات وبؤر مجاورة كانوا يراقبون مشهد بناء المدرسة. ويومياً كان يأتي المستوطنون، ويأتي جيش الاحتلال، ما يضطر العمال للهرب من المكان خوفاً من الاعتقال. بنينا أحياناً في الليل وأحياناً في النهار، وكنا نقسم أنفسنا إلى جزأين، فمنا من يعمل في البناء والآخرون يراقبون خوفاً من مجيء جيش الاحتلال". صودرت المعدات ومواد البناء أكثر من مرة كما يروي كعابنة، لكنّ المدرسة أقيمت أخيراً بخمسة صفوف أحدها ما زالت جدرانه غير مكتملة من الداخل. وخلال أقل من أسبوعين من بدء العام الدراسي صودر سقف المبنى مرتين، كما هي حال المقاعد والأدراج. لم يستسلم الأهالي هناك فهم يعتبرون المدرسة من أهم مقومات صمودهم في المكان، إذ يريد الاحتلال ترحيلهم. يؤكد كعابنة، وهو جد لـ15 تلميذاً في المدرسة، بالقول: "الأهالي غطوا في اليوم التالي للمصادرة السقف بغطاء قماشي كبير، قبل أن يعيدوا وضع سقف آخر من الزينكو بعيداً عن أعين جيش الاحتلال. وبينما يواصل الاحتلال الاقتحامات، يعيد الأهالي كلّ مرة السقف والمقاعد في محاولة لتثبيت المدرسة وحمايتها، وليتسنى للمعلمات اللواتي يأتين من قرية كفر مالك المجاورة إعطاء الدروس للأطفال".

الصورة

أهمية المدرسة كما يوضح أبو أحمد لـ"العربي الجديد"، وهو أب لخمسة أطفال في المدرسة، أنّها ستحل مشكلة حقيقية لدى التجمع وهي تسرب التلاميذ من المدرسة، بسبب بعد مدرسة المغير، وبالرغم من توفير وزارة التربية والتعليم حافلة تقل التلاميذ من المدرسة وإليها، فهي غير متوفرة دائماً كما يقول، وأحياناً توصل التلاميذ صباحاً ولا تعود مساء، ما يعني مشقة وأحياناً مضايقات في الشارع الرئيسي من قبل المستوطنين.


إصرار الأهالي على بقاء المدرسة يترافق مع إجراءات في محاكم الاحتلال الإسرائيلي لمتابعة الاعتراض على قرار وقف البناء، وبالرغم من أنّ قوانين الاحتلال تجمّد عمليات الهدم إلى حين انتهاء المحاكم، فمصادرة سقف المدرسة المتواصلة تستغل كما يقول مدير الوحدة القانونية في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، عايد مرار، لـ"العربي الجديد"، أوامر عسكرية تقسم الأبنية إلى عقار ثابت وآخر يمكن تحريكه، والأخير يمكن اعتباره أداة لارتكاب جريمة (في إشارة إلى إقامة بناء غير مرخص)، في حال كان البناء قرب مناطق عسكرية.

الصورة

تلك قصة واحدة من أكثر من قصص عشرين مدرسة في محافظات الضفة الغربية تسمى مدارس التحدي، ويقيمها الأهالي أو وزارة التربية والتعليم أو هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أو كلّ هذه الجهات معاً، في المناطق التي يستهدفها الاحتلال وقد هدم عدداً منها، في ما يكشف عن سياسة للاحتلال لمنع توفير مقومات استمرار الحياة وصمود الأهالي، لا سيما التجمعات البدوية، التي يريد إزالتها وتهجير سكانها وتجميعهم في تجمعات محددة لاستغلال الأرض للاستيطان. فمنطقتا راس التين والقبون تعرضتا لمحاولات عدة لإقامة بؤر استيطانية كان آخرها قبل نحو أسبوعين، لكن تصدى لها الأهالي مفشلين المحاولة. وتقع المنطقتان شرق شارع استيطاني يسميه الاحتلال "ألون" يفصل أراضي واسعة عن قرى المغير وأبو فلاح وكفر مالك وترمسعيا ودير جرير شمال شرقي رام الله. وهي أراضٍ تمتد نحو الأغوار الفلسطينية، المكان الأبرز لمخططات الضمّ الإسرائيلية.

يفسر مرار الحراك المتزايد في تلك المنطقة بأنّه قد يكون لصالح خلق تواصل جغرافي للمستوطنات، وحتى لو لم تقم المستوطنات فالاحتلال يهدف، كما يقول، إلى إتاحة هذه المنطقة المفتوحة جغرافياً كهامش حيوي للمستوطنين بدلاً من كونها هامشاً حيوياً للفلسطينيين، فبالرغم من السيطرة الإسرائيلية "ما زال الراعي الفلسطيني والمزارع الفلسطيني وحتى المتنزه الفلسطيني موجوداً، في حين يوجد المستوطن داخل مستوطنته المحمية بسلطة الأمن".