استمع إلى الملخص
- تتفاقم الأزمة بسبب استغلال الأيادي المحلية للوضع وسرقة المساعدات وبيعها في السوق السوداء، مما يؤدي إلى شح حاد في المواد الغذائية، رغم محاولات التصدي لهذه الظاهرة من قبل مجموعات أمنية.
- يعيش النازحون في ظروف قاسية بمخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، مع نقص حاد في المواد الغذائية وارتفاع أسعارها، مما يزيد من معاناتهم ويؤكد الحاجة لوضع حد لهذه الظاهرة.
يواجه أهالي غزة أزمة تضاف إلى أزماتهم المتراكمة من العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 20 شهراً، وأهمها اشتداد المجاعة التي باتت تفتك بكل الشرائح العمرية. وتتمثل هذه الأزمة بعدم وصول شاحنات مساعدات من الجنوب الى الشمال بسبب قطّاع طرق ولصوص.
ونتيجة عدم وصول المساعدات بشكل طبيعي إلى الفلسطينيين، يضطر الأهالي إلى شراء مواد أساسية مثل الطحين والسكر والزيت وأصناف بقوليات بأسعار فلكية تتجاوز 50 ضعف سعرها أحياناً، فيما يعاني أغلبهم من أوضاع مادية متردية، جراء فقدان مصادر دخلهم ومدخراتهم نتيجة طول أمد الحرب.
فعلياً، يعيش أهالي غزة وجعاً مركباً لا يقتصر فقط على صواريخ الاحتلال ولا الحصار الطويل، بل أيضاً بفعل أيادٍ محلية تعبث بما تبقى من شريان الحياة في القطاع المنكوب وسط ركام الحرب وصوت الطائرات الذي لا يغيب. ورغم الرفض الشعبي والعشائري لظاهرة سرقة المساعدات والسطو على الشاحنات ومحاولات مجموعات أمنية التصدي للصوص، تستمر الأزمة وتتضاعف تأثيراتها السلبية على المواطنين، حيث يستغل لصوص حالة الفراغ الأمني واستهداف الاحتلال أي مجموعة أمنية تتحرك ضدهم.
ولم يعد الطريق من جنوب القطاع إلى شماله مجرد طريق محفوف بالخطر، بل ممراً معقداً للشاحنات التي تحمل مساعدات جراء الخوف من قطاع الطرق المتربصين بها ومن لصوص لا يميزون بين قافلة إغاثة وبين غنيمة حرب. وبفعل هذا الواقع، يعاني شمالي قطاع غزة من شح حاد في المواد الغذائية، باستثناء تلك المسروقة التي تباع في السوق السوداء ومفترقات الطرق بأسعار خيالية بأوامر من تجار الحروب والمستثمرين في جوع المواطنين ووجعهم.
قالت الفلسطينية أم حسن الرملاوي لـ"العربي الجديد": "بدأت الأزمات منذ اليوم الأول للحرب نتيجة منع الاحتلال الإسرائيلي دخول المواد الغذائية والأساسية وتدمير الأسواق والمحال التجارية وتهجير الناس من بيوتهم ومناطقهم السكنية بعد تحويلها إلى ركام، وقد خلق النقص الشديد في مختلف الأصناف حالة عوز شديد لدى الناس، ما شجّع التجار على رفع الأسعار، فيما أسهم انعدام الأمن والأمان في انتشار اللصوص وقطّاع الطرق لسرقة المساعدات ومعاودة بيعها للسكان بأسعار مضاعفة". وأشارت الرملاوي إلى أنها تجبر على شراء بعض الأصناف الضرورية بأسعار خيالية لتوفير قوت أسرتها المكونة من سبعة أفراد، وقالت: "نشتري بأسعار مرتفعة المواد التي تصل مجاناً لمساعدتنا على مواجهة الظروف القاسية للحرب والمجاعة".
ولفتت النازحة سعاد سالم، وهي أم لخمسة أطفال تعيش في مخيم إيواء وسط مدينة غزة، إلى أن واقع أسرتها صعب للغاية بسبب غياب المساعدات وتأخر وصولها إلى الشمال، فيما تباع بعض الأصناف بأسعار لا تطاق ولا تتناسب مع الأوضاع المادية للمواطنين. وقالت بصوت مخنوق لـ"العربي الجديد": "كأننا منسيون. نسمع كل يوم عن سرقة مساعدات وقطع طريق وصولها إلى جائعين وأطفال ومرضى، ما يزيد صعوبة الواقع الذي نعيشه، خصوصاً في ظل عدم قدرتنا على مجاراة الأسعار المرتفعة. نعيش في ظروف غير آدمية تنعدم فيها أبسط مقومات الحياة، إذ نمكث في خيمة من قماش لا تحمينا من البرد أو الحرّ أو القصف والخوف، ونعاني من نقص حاد في المواد الغذائية المفقودة بسبب الحصار وتكرار السلب والنهب".
وقال الستيني خالد عبيد، النازح من منطقة التوام شمالي غزة لـ"العربي الجديد": "تسبب الحصار الإسرائيلي ونقص المواد الغذائية في ارتفاع أسعارها، فيما جاءت سرقة الشاحنات وقطع الطريق عليها لتزيد حدة الأزمة". تابع: "سرقة الشاحنات والمساعدات تمنع وصولها إلى مستحقيها، وبعدها تُباع لتجار حلقات التضييق على المواطنين الذين يشترونها بأسعار مضاعفة لا تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة. يجب وضع حد لظاهرة السرقة والسطو على المساعدات، لأن اللصوص يتاجرون بنا بعد سيطرتهم على السلع والمواد الغذائية. أشاهد أكياس طحين وبقوليات وبسكويت مختومة بعبارة "ليس للبيع" تباع على مفترقات الطرق بأسعار خيالية".